التخلي عن السلطة.. أولى خطوات التغيير في السودان

بانوراما 2019/03/22
...

سايمون تيسدال
ترجمة: خالد قاسم
رغم اعلان الرئيس السوداني عمر البشير حالة الطوارئ في بلاده ومساندته لأحد حلفائه لاسترضاء المتظاهرين، تضغط الاحتجاجات الشعبية لتغيير قيادة البلاد والنظام الحاكم، وحققت انعطافة ملحوظة مؤخرا لكنها ليست كما يتمنى المحتجون.
فقد تخلى البشير بصورة غير متوقعة عن زعامة الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني”، وبدلا من فتح المجال أمام الاصلاح كما طالب المتظاهرون، منح المنصب لحليف مقرب ومتهم مثله من قبل المحكمة الجنائية الدولية بجرائم حرب دارفور.
يتولى أحمد هارون، الحاكم السابق لولاية شمال كردفان، زعامة الحزب الحاكم بالوكالة بعد تعيينه نائبا للرئيس إثر اعلان حالة الطوارئ. يرى محللون أن قرار البشير كان تكتيكيا لنزع فتيل التوترات داخل حزبه بين الجناح الاسلامي وكبار قادة الجيش الذين يمثلون المؤسسة الأمنية.
ربما ليس أمام البشير أي خيار آخر، فاعلان حالة الطوارئ وحلّ الحكومة واستبدال كل حكام الولايات البالغة 18 وتعيين موالين له بدلا منهم، قد يكون كل ذلك مدفوعا باحتمال انقلاب حزبي داخلي، بحسب مركز دراسات مجموعة الأزمة الدولية، التي تقول أن زعماء الجناح الاسلامي يؤيدون استجابة أكثر ايجابية لمطاليب المحتجين: “واذا تعمق الخلاف فربما يثير شبح مواجهة خطيرة بين هذين المعسكرين جيدي التنظيم والتسليح.”
قد يسجل قرار البشير بالتراجع بداية النهاية لإحدى أطول فترات الحكم في أفريقيا. على غرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وهو الآخر هدف احتجاجات كبيرة للجزائريين، فالبشير مظهر ثابت طويل المدى استمر أكثر من الفترة المرحب بها.
صارع البشير العزلة الدولية والعقوبات الغربية منذ اتهام المحكمة الجنائية الدولية له بالاشراف على ابادة جماعية في دارفور مطلع القرن الحالي راح ضحيتها 300 ألف شخص. وتسببت الحرب الطويلة التي انتهت باستقلال جنوب السودان عام 2011 بإضعاف قيادة البشير وحرمت الخرطوم من ايرادات النفط الحيوية، وساهم سوء ادارة الحزب الحاكم وفساده بتدهور الاقتصاد.
 
خيبة أمل
شعرت الأجيال الجديدة من السودانيين مثل الأطباء والمهندسين وأعضاء الحزب الشباب بخيبة الأمل نتيجة اخفاقات الحكومة الكثيرة، ونفد صبرهم وهو حال الموظفين الفقراء. بدأت الجولة الحالية من المظاهرات أواخر العام الماضي وأشعلتها زيادة حادة بسعر الخبز، وسرعان ما هاجم المحتجون النظام السياسي وطالبوا باستقالة البشير وانهاء هيمنة حزبه. ومع المحاولات الوحشية وغير المنسقة لقوات الأمن لايقاف المظاهرات، وعرض البشير الفاتر للحوار، استمرت المظاهرات رغم افتقارها للقادة والمطالب الواضحة وانعدام خطة ما بعد عهد البشير.
تتركز المعارضة جزئيا على رفض تغييرات دستورية مقترحة تسمح للبشير بالترشح مجددا خلال انتخابات 2020، لكن هذه المقترحات أجلت الآن. وقد يترشح البشير مجددا اذا نال تأييد الحزب الحاكم ويضع البلاد بأكملها تحت الأحكام العرفية الفعلية.
كما هي حال 2011 عندما أعلنت حالات طوارئ في عدة مدن لقمع الاحتجاجات، فهذا يستلزم نشر مزيد من القوات واغلاق الطرق للسيطرة على حركة المدنيين واعتقالات عشوائية ومصادرة ممتلكات ورقابة على وسائل الاعلام وحظر الجماعات السياسية المعادية للنظام. 
يأمل هارون أن يرث البشير، لكن يستبعد حدوث تغير جذري بعد ترقيته الأخيرة، فهو على غرار زعيمه يحمل رؤى متشددة بشأن التحديات التي تواجه بلاده. يشكك هارون والكثير من السودانيين بالمجتمع الدولي وهو ما يؤكد الصعوبات أمام الدول الغربية لدى محاولة حث البشير لوقف العنف والسماح بحكومة انتقالية للوحدة الوطنية وربما التنحي سلميا. هذه المسؤولية قد تقع على عاتق شركاء السودان الأفارقة وحلفاء الشرق الأوسط مثل السعودية والامارات وقطر وتركيا، لكن حتى الآن لا توجد علامات على تدخلهم.