رايات داعش في الفلبين.. {لقد بدأ القتال للتو}

بانوراما 2019/03/22
...

هانا بيتش وجيسون غوتيريز
ترجمة: ليندا أدور
عبر جزر الفلبين الجنوبية، ترفرف رايات داعش السود فوق ما يعده التنظيم ولاية شرق آسيا التابعة له، فرجاله المنتشرون في الغابات، على مبعدة محيطين من معقل داعش ومسقط رأسه، يحملون راية التنظيم الارهابي، التي باتت هي الماركة العالمية، الى ساحات معارك جديدة.  فخلال شهر كانون الثاني الماضي، تجمع الناس للصلاة وحضور قداس الأحد في كاتدرائية “سيدة جبل الكرمل” للكاثوليك، وقع انفجاران داخل مجمع الكنيسة، أوديا بحياة 23 شخصا، ليعلن التنظيم بعدها عن أن اثنين من انتحارييه قاما بتنفيذ المجزرة. بعد مرور بضعة أيام، انتشر ملصق على مواقع دردشة تعود للتنظيم، يبدو فيه الرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتي راكعا فوق كومة من الجماجم ويقف خلفه مسلح يمسك خنجرا، وكان تعليق الصورة يحمل تحذيرا، يقول: “لقد بدأ القتال للتو”.
بمساحة بريطانيا
بعد أربع سنوات من القصف الجوي المدعوم من الولايات المتحدة  والقتال البري من قبل القوات العراقية والقوات الحليفة لها من البيشمركة الكردية والحشد الشعبي، تضاءل حجم المناطق التي يسيطر عليها مسلحو داعش في كل من العراق وسوريا، والتي كانت ذات يوم تقدر بمساحة بريطانيا، الى مجرد بقعة صغيرة تقع جنوب شرق سوريا التي ستستعاد بأية لحظة. لكن التنظيم وجه نشاطه الى موضع آخر، وهنا في مجموعة جزر مينداناو جنوب البلاد، التي لطالما كانت ملاذا آمنا للمسلحين بسبب كثافة الغابات وضعف قوة الشرطة، ساهم باجتذاب عناصر من المتشددين الجهاديين اليها. يقول موتوندان إنداما، وهو طفل مسلح سابق بجزيرة باسيلان وأحد أقارب فوروجي إنداما، القائد العسكري الذي بايع التنظيم، “لا أعرف لماذا التحق إبن عمي بالتنظيم، لكن ذلك ممكن أن يحدث في أي مكان”.
فخلال العام 2016، ظهر التنظيم وبقوة وسط جنوب الفلبين مستهدفا تجنيد الشباب، من خلال بثه لمقاطع مصورة على الانترنت، يدعو فيها مسلحيه من غير القادرين على السفر الى “دولة الخلافة”، التي كانت تضم أراضي من العراق وسوريا، الى الالتحاق بصفوفه على ضفاف جزيرة مينداناو، وبالفعل تدفق مئات المسلحين من بلدان بعيدة كالشيشان والصومال واليمن، وفقا لمسؤولين يعملون ضمن الاستخبارات الفلبينية.  
وجاء العام التالي ليستولي خلاله المسلحون الذين سبق وأن بايعوا التنظيم، على مدينة ماراوي وسط جزيرة مينداناو، قبل أن يشن الجيش الفلبيني هجومه عليها ويحقق نصرا حاسما على التنظيم، بعد مرور خمسة أشهر من سيطرة المسلحين عليها، لكن مدينة ماراوي ذات الاغلبية المسلمة أصبحت مجرد ركام بفعل القصف الجوي والبري عليها فضلا عن الاشتباكات التي تخللت معركة تطهيرها من المسلحين، حيث قتل ما لا يقل عن 900 عنصر مسلح، وكان من بينهم مقاتلون أجانب، وقتل معهم “وايسنيلون هابيلون”، أمير تنظيم داعش لمنطقة شرق آسيا، ثم أعلن الرئيس الفلبيني دوتيرتي النصر على داعش، غير إن هذا الانتصار لم يردع الموالين للتنظيم من إعادة تنظيم صفوفهم.
 
شجار عشائر
يتحدث روميل بانلاوي، رئيس معهد بحوث السلام والعنف والارهاب في الفلبين، عن تدفق الأموال الى الفلبين لدعم جماعة داعش: “الهدف من توريد هذه الأموال هو تجنيد المقاتلين ضمن صفوف التنظيم، واليوم، يعد نشاطه من أكثر المشاكل تعقيدا وتطورا في الفلبين، والتي يجب ان لا ندعي عدم وجودها، فقط لأننا لا نرغب بوجود هذا النوع من المشاكل”.
منذ تفجير الكاتدرائية الواقعة وسط جزيرة جولو أواخر شهر كانون الثاني الماضي، جاء رد الجيش الفلبيني من خلال الضربات الجوية وانتشار نحو عشرة آلاف جندي على الجزيرة، وفق ما ذكر الكولونيل جيري بيسانا، الناطق الرسمي باسم القيادة العسكرية الاقليمية لمحيط مدينة زامبوانجا. الى جانب ذلك، كانت طائرات الاستطلاع الأميركية بدون طيار تعمل على مراقبة أرخبيل الفلبين الجنوبي، حيث تتمركز فيه الأقلية المسلمة والمتمردون المحليون الذين يقاتلون منذ عقود طويلة، الدولة ذات الإغلبية المسيحية.
لكن وعلى الرغم من تكثيف الهجوم العسكري، تتحاشى الحكومة الاعتراف بأن البلاد باتت جزءا من التيار العالمي للتطرف الديني. حيث عمد مسؤولون كبار إلى التقليل من شأن إرسال داعش لمقاتلين أجانب والأموال الى الفلبين لتنفيذ هجمات دموية، اذ غالبا ما كان يصف المسؤولون العنف بأنه شجار بين عشائر مسلمة أو قطاع طرق. وبعد أسبوع من تفجير جولو، أعلنت الشرطة الفلبينية ان القضية تم حلها، بتوجيه الاتهام لمجموعة مسلحة محلية، تدعى “أبو سياف”، مع اعتراف ضئيل بعدد المتمردين الذين تحالفوا مع تنظيم داعش.
 
بديل الديمقراطية الفاسدة
على مدى عقود، انتشرت الجماعات المتمردة المحلية مثل “أبو سياف”، التي شنت حملة تفجيرات وقطع للرؤوس، شملت المناطق الخارجة عن القانون في البر والبحر لتمتد نحو ماليزيا واندونيسيا. وخلال تسعينيات القرن الماضي، وبعد عودة الفلبينيين من القتال مع المجاهدين في أفغانستان وانتشار أفكار المدارس المتشددة لدى كل من اليمن والسعودية، اندمجت المظالم المحلية مع الدعوات العالمية للجهاد، ليحلم المقاتلون بإقامة دولتهم “الاسلامية”، جنوب شرقي آسيا، كدولة خلافة خالية من الحكم العلماني، بحسب وصفهم. تقول سيدني جونز، مديرة مؤسسة تحليل سياسة النزاعات في العاصمة الأندونيسية، جاكارتا، أنه عندما أنشأ تنظيم داعش دولته وسط الشرق الأوسط، لجأ الى ضم مسلحيه المتفرقين في الفلبين تحت راية أيدولوجية واحدة: “لم تقر الحكومة بقوة وقدرة داعش على اجتذاب الجميع له بدءا من طلاب الجامعات الى أطفال جماعة ’أبوسياف‘، مضيفة: “أيا كان ما حصل مع التحالف المؤيد لداعش، فقد ترك خلفه فكرة قيام دولة اسلامية كبديل مرغوب به عن الديمقراطية ’الفاسدة‘“.
تصر السلطات المحلية في باسيلان على عدم وجود مقاتلين أجانب مختبئين في الغابات، زاعمين ان عددهم قد تراجع الى نحو 20 فقط لا يزالون عالقين، لكن الجنرال بيسانا يقدر عدد المسلحين الاجمالي بنحو 200 مقاتل مع زعيمهم الذي بايع تنظيم داعش. يذكر أن تنظيم داعش كان قد زعم أن التفجير الذي ضرب جزيرة باسيلان العام الماضي وراح ضحيته 11 شخصا، نفذه انتحاري ألماني من أصل مغربي، تم القاء القبض على ممول للتنظيم، وهو مصري الجنسية، وكان بحوزته 19 ألف دولار أثناء توجهه الى جزيرة باسيلان، كما ألقي القبض، خلال العام الماضي، على شخص اسباني الجنسية وبحوزته مواد لصنع القنابل. 
أعرب موجيف هاتمان، محافظ منطقة مورو الخاضعة للحكم الذاتي لمسلمي الفلبين، عن قلقه من أن الغارات الجوية المكثفة على جولو يمكن أن تؤدي الى تسرب المسلحين الى جزيرة باسيلان بواسطة قوارب صغيرة من دون أن يكتشف أمرهم, وهو ما يحدث بالفعل، اذ إنهم يتنقلون بين الفلبين وماليزيا واندونيسيا عبر مسارات مياه بحرية لا تخضع لدوريات حراسة.  يشير بيسانا الى ان اعدادا من المقاتلين الاجانب يختبئون وسط تلال جولو بقيادة “هاتيب هاجان سوادجان”، الذي حل محل هابيلون، بوصفه الأمير الاقليمي للتنظيم. يقول جيم هابينغ (22 عاما) وهو مقاتل سابق كان ضمن جماعة أبوسياف لدى سؤاله عن أسباب انضمامه للجماعة منذ سن الحادية عشرة، أن حاله هو حال الكثير من أطفال قريته، بقوله: “اقنعوني بأني اذا قتلت بالمعركة، فسأتلقى المكافأة في الآخرة، وبأن ذلك هو الطريق الصحيح”.