عبد الحليم الرهيمي
إنه حقاً أغبر هذا الغبار الذي أتت به العاصفة أو العواصف الترابية الأخيرة التي طالت العراق وخاصة لعدد من محافظاته وبعض دول الجوار، إذ أغبرت به البيوت والمنشآت والشوارع، وطال ايضاً العراقيين بوفاة بعضهم واختناق الآلاف منهم . قلة الأمطار في السنوات الأخيرة جرّاء التغييرات المناخية في العالم، كانت أحد أسباب انحلال تماسك التربة خاصة في المناطق الصحراوية، الأمر الذي يسهل تحولها لغبار في العواصف الترابية لكنها ليست ذريعة للذين قصروا في الاستعداد للعمل على تحاشيها او أقله التخفيف من مضارها، اذْ لا يكفي التبرير خلف ذريعة قلة الأمطار او اقتطاع كل من تركيا وايران جزءاً من حصة العراق المائية القادمة إليه او حتى ذريعة التقصير في زراعة الأشجار والبستنة، التي تساعد في تماسك التربة والحد من تأثير العواصف الترابية ودفع الغبار الأغبر إلينا.
لقد تناول الإعلام هذا الحدث – الظاهرة الطبيعية باهتمام بالغ، سواء بالتوصيف او بيان أسبابه، وحتى اقتراح الحلول لمواجهة الأزمة وتداعيات ما حصل ويحصل نتيجة ذلك. أما الجهات الرسمية المعنية وحتى غيرها من المختصين والمهتمين، فقد عبروا عن رؤيتهم لأسباب ومظاهر ومآل هكذا عواصف طبيعية والعمل للتخفيف من وطأتها وآثارها السيئة، لكن أحداً لم يقدم مشاريع عملية لذلك مرفقة بآليات تنفيذ عملية وفعالة.
وحتى لا تنتهي زوبعة وآثار هذه العاصفة الترابية وآثار غبارها الأغبر، وينتهي الكلام الكثير عنها لابد من مواجهات مباشرة راهنة واخرى مستقبلية نتوقع حصول ما يشبهها وحتى الأسوأ. ومثلما واجه النظام الملكي في العراق باستباق استمرار الفيضانات لدجلة والفرات وتفاقم آثارها، عمد إلى بناء أكثر من عشرة سدود خلال مدة قصيرة، وكذلك مثلما أنشأ مجلسا للإعمار العام 1952 لمواجهة متطلبات العراق المقبلة لتطور الزراعة والصناعة وبناء المشاريع الستراتيجية الكبرى، لزيادة مداخيل وواردات العراق واستيعاب اليد العاملة والكفاءات المتوقع توفرها مستقبلاً.
إنَّ أولى وأهم الخطوات العملية التي يتوجب على الجهات الرسمية المعنية البدء في القيام بها منذ الآن هي تشكيل لجنة من الخبراء المشهود لكفاءتهم في هذا المجال، وغالبيتهم من خارج الوزارات المعنية، وتضع هذه اللجنة خطة مشروعها والخطة العملية فعلاً لتنفيذه خلال مدة قصيرة، كاللجوء الى الاستفادة من المطر الصناعي وحث المزارعين على زيادة المساحات المزروعة بالبستنة، وتكثيف زراعة الأشجار بالملايين خاصة في المناطق الصحراوية.
ولعلَّ من المفيد هنا أن نشير إلى تجربة المملكة السعودية في هذا المجال، والتي كان أحدها زراعة أربعة عشر مليار شجرة خلال خطتها الإصلاحية الاقتصادية للعام 2030 وكذلك استخدام مضخة عملاقة تعمل بالطاقة النووية لتحلية مياه البحر للشرب والاستعمالات المتعددة ومنها للزراعة وللأشجار التي بوشر بشتلها، ونحن نستطيع زراعة ملايين الأشجار والتوسيع من حفر الآبار وحتى تحلية مياه البحر بمحطات صغيرة.. آملين أن يتحقق ذلك ولا يطوله الإهمال بذرائع مرفوضة سلفاً.