انتخابات ملوك الطّوائف

آراء 2022/05/11
...

 د.نازك بدير*
 
جاءت الانتخابات التشريعيّة اللبنانيّة للمنتشرين اللبنانيّين في بلاد الاغتراب، لتضع لبنان عند مفترق طرق؛ إمّا البقاء على ما هو عليه لبنان من معاناة لدى الشّعب، وفساد في الدّولة، واهتراء في المؤسّسات، وإمّا الذّهاب نحو ما يتطلّع إليه اللبنانيّون من العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد ونبْذ الطائفية، وصولًا إلى منع الانهيار والحدّ من الهجرة ومعالجة الفقر والبطالة.  وإذا كان المشهد الانتخابي العامّ في بلاد الاغتراب يوحي بأنّ اللبنانيّين يندفعون نحو التّغيير من خلال أصواتهم الانتخابية، فإنّ غالبية اللبنانيّين يتوقّعون أن تشكّل المرحلة المقبلة، مرحلة ما بعد الانتخابات، امتدادا للمرحلة المأساويّة ما قبلها، وذلك لأسباب عديدة، أهمّها: أنّ الانتخابات سوف تعيد إنتاج الطّبقة السياسيّة القائمة حاليًّا كأكثريّة نيابيّة وهي المسؤولة أصلًا عمّا آلت إليه أحوال البلد، من دون أن يكون لدى اللبنانيّين أيّ رهان على تعديل سلوك هذه القوى وسياساتها -.أنّ القانون الانتخابي، مع أنه يعتمد النّسبيّة، إلا أنّه جرى تفصيله على مقاس بعض القوى والشخصيّات، بطريقة يضمنون فيها فوزهم، وخاصّة من جهة تقسيم الدوائر والاقتراع في الصوت التفضيلي. أنّ اللبنانيّين لا يزالون ينتخبون بناء على عصبيّات طائفيّة ومذهبيّة، وليس بناء على برامج انتخابيّة، فالتجيّيش الطائفي والعصبوي هو الأصل في الخطابات الانتخابيّة، في ظل غياب تامّ للبرامج الانتخابيّة الإصلاحيّة. أنّ اللبنانيين ليسوا بمنأى عن تدخّل قوى وسفارات في العمليّة الانتخابيّة، من خلال ممارسة الضغوط وإغداق الأموال، وذلك مرتبط بحسابات سياسيّة تتّصل بالعمل على تموضع لبنان في خارطة الصّراعات الإقليميّة، الأمر الذي يؤثّر على خيارات الناخبين وقناعاتهم. - أنّ الأزمة في لبنان أكبر من أن يُصار إلى معالجتها من خلال انتخابات تشريعيّة، ذلك أن الأزمة اللبنانية بنيويّة ومتأصّلة في البنى التحتيّة للنظام اللبناني، وبأنّ لا أمل للخلاص من دون معالجة الأزمة عبر إعادة إيجاد صيغة جديدة للحكم، وعقْد اجتماعي جديد.  وبالجملة، يمكن اختصار المشكلة اللبنانيّة بعاملَين: الأول المخاطر الإسرائيليّة من الخارج، والثّاني انهيار الدولة من الداخل. وإذا كانت المقاومة في لبنان قادرة وقويّة في مواجهة الخطر الأول، فإنّ كل المؤشّرات والقرائن تفيد بأنّ لبنان في مقابل خطر الانهيار سيبقى متروكًا كريشة في مهب الريح إلى أن يشاء الله أمرا كان مفعولا.
الخلافات حول الأزمة اللبنانيّة لم تبقَ محصورة ضمن الوطن الأمّ، إنّما تمظهرت مجدًّدا في مراكز الاقتراع ومحيطها في بلاد الاغتراب. وبدلًا من أن يتّحدوا معًا للمساهمة في إنقاذ البلد من الذّل والفساد والتناتش والنهب والسّرقات، ويكونوا يدًا واحدة لإعادة الكرامة للإنسان اللبنانيّ- بغضّ النّظر عن الانتماء الدّيني والمذهبي والحزبي- أظهرت الانتخابات في الخارج أنّ عددًا كبيرًا من المغتربين رفعوا شعار العصبيّة الحزبيّة والانتماءات الضيّقة والقوقعة الطائفيّة، ورموا وطنيّتهم طعمًا للتماسيح. هاجروا إلى بلاد”الشّمال”، لكنّهم عجزوا عن التّخلّص من عبوديّة ملوك الطّوائف.
 
كاتبة لبنانيّة