نرمين المفتي
في الوقت الذي قرأت فيه خبرا عن افتتاح وزارة الثقافة لمعرض امام الجمهور والمهتمين يضم “حوالي” 100 عمل فني (رسم ونحت) من “أعمال فنانين رواد في الرسم والنحت، كانت قد سُرقت عام 2003 من أكبر المراكز الفنية في بغداد، الذي كان يضم آلاف اللوحات والأعمال النحتية التي ما زال مصير أغلبها مجهولاً”.
والمعروف أن أكثر من 8000 عمل فني كان يمثل تاريخ او ذاكرة الفن التشكيلي والخط في العراق، بينها اكثر من 500 للفنانين الرواد كان قد سرق حينها، وبعد 19 سنة، تمت استعادة “حوالي” مئة فقط .. ومع هذا الخبر، اعاد مدونون عراقيون على الفيسبوك، بينهم فنانون وخطاطون، صورة من تويتر تعود الى 2015 لشخص كويتي مهتم بالخط العربي، يقف قرب لوحة الخطاط الذي لن يتكرر هاشم البغدادي، والتي كان يضمها متحف الفن الحديث واسمها (الجامعة) لأنها تجمع كل انواع الخط العربي، وكانت تعتبر واحدة من أغلى معروضات المتحف، وهي معروضة في متحف طارق رجب في الكويت. وبحثت في صفحة (هاشم محمد الخطاط) على تويتر، وجدت شخصاً آخر يقف قرب اللوحة في المتحف ذاته في اب 2021، وتذكرة رؤية اللوحة 20 دينارا كويتيا ( 67 دولارا).. وصورة للوحة نفسها منشورة في الصفحة 668 من كتاب ( التراث الثقافي المفقود، الأعمال الفنية المسروقة من المتحف الوطني الفن الحديث، بغداد، العراق) والمنشور عن دار المأمون، وزارة الثقافة في 2013 لسلام عطا صبري، د. علاء أبو الحسن العلاق، فائزة غني ناصر ومصطفى جاسم محمد.. أي أن السلطات المختصة في العراق والمنظمات الدولية المختصة، ومن بينها اليونسكو والانتربول لديها علم بهذه اللوحة المسروقة، والمفروض أنها تطارد الأعمال المسروقة العراقية وغيرها، ومع الأسف لم تطالب بهذه اللوحة والمعروف عنوانها والذي (يقتنيها) متحف كويتي خاص!
في مقال سابق للفنان علي الدليمي كتب قائلا “وتنكشف الحقائق لاحقاً.. بأن أغلب الأعمال الفنية التي سرقت من المتحف، هي بفعل لصوص وتجار اللوحات، الذين يعرفون قيمتها المادية، وقد جاءني العديد منهم يعرضون عليّ بيعها من أجل إعادتها إلى المتحف.. لأنهم قد أشتروها من الأسواق..!! لكني رفضت ذلك، لأني غير مخول بالتفاوض، ودعوتهم لتسليمها إلى وزارة الثقافة مباشرة.. عسى أن يشتروها منهم.. ولكن الوزارة والقائمين عليها كانوا أيضاً مشغولين بفسادهم المالي.. إلى أن تمَّ تهريبها إلى خارج العراق.. لتباع بأسعار باهظة.. ويسدل الستار عنها بشكل نهائي.. رغم مخاطباتنا إلى منظمة اليونسكو، والشرطة الدولية (الأنتربول)، والقاعات الفنية داخل العراق وخارجه.. إلا أنه بلا جواب أو
إهتمام”.
اذكر في نيسان 2003 دخلت إلى المركز الذي أصبح الآن وزارة الثقافة، والذي سُرقت كنوزه من الأعمال الفنية العراقية، وكانت من بين موجوداته جميع الاعمال الثمينة، والتي كان يحتفظ بها اسماعيل الشيخلي ومحمد غني حكمت في مشغلهما ومنحاها للمركز.. الفوضى كانت مخيفة في طوابق المركز الخمسة، اطارات مكسورة، بضع لوحات تالفة والقطع النحت المرمرية، التي لم يتمكنوا من رفعها، تم تهشيم أجزاء منها وتمَّ حرق الإرشيف الذي كان يضم فهارس الأعمال العراقية على مدى عقود وغيرها من الوثائق المهمة لهذا التاريخ، وللمفارقة، كانت دبابة أميركية تقف
قربه. ونتفق جميعا مع الفنان الدليمي أن غالبية الذين موجودات المتحف الوطني للفن الحديث والمتحف الوطني في بغداد والمتاحف الأخرى في المحافظات كانوا يعرفون جيدا ماذا يسرقون وكيف سيثرون
بسببها.
وأعود بذاكرتي إلى الصف الاول الابتدائي وخط هاشم البغدادي في القراءة الخلدونية التي علمتني دار.. دور، ومع مرور العقود أستطيع أن أقول بأن تلك الكلمة (دار)، وبالرغم من كتابتها تحت صورة لبيت، إلا أنها تشير الآن الى دار ويدور، لكنه لا يبحث عما نُهب
ويُنهب.