محمد صالح صدقيان
لن تتوقف الدنيا اذا ما تمَّ الإعلان عن انهيار مفاوضات فيينا النووية!؛ ولن نموت بسببها. أنها لعبة الكّر والفرّ مع واشنطن التي بدأت منذ 42 عاما وما زالت مستمرة. صحيح أننا دفعنا ضريبة هذه اللعبة؛ لكن الآخر دفع ضريبة من نوع آخر. ازعجناه.. عكّرنا عليه حياته في الشرق الأوسط.. دفعناه مرات ومرات لتغيير قواعد اللعبة. جلسنا علی مفترق الطرق التي يمر بها وهو يتربص بنا الدوائر.
يريدنا أن نرضخ ونريده أن يعترف بأننا أهل هذه الأرض. هو يعلم أن برنامجنا النووي سلمي لكنه لا يريده من دون
ثمن.
نحن نريد أن نملك التكنولوجيا والقوة لنعدّ له ما استطعنا من قوة.. وهو يری أن نتخذه من دون الله أندادا. هذه هي خلاصة ما قاله مسؤول ايراني كبير عندما سألته عن تطورات المفاوضات النووية والطريق المسدود، الذي وصلت إليه، بعد أن أصدر مجلس الشيوخ الأميركي قرارا يدعو فيه الرئيس جو بايدن الى إبقاء «الحرس الثوري» في القائمة الإرهابية المصنفة أميركيا، ويحرضه لاتخاذ موقف بشأن علاقة طهران مع
بكين.
القرار الذي أصدره مجلس الشيوخ الأميركي في هذه التوقيت تحديدا يحمل عديد الدلالات. أولا؛ أنه غير ملزم للحكومة الأميركية، وإنما بمثابة توصيات او اقتراحات وإن كان مهما من الناحية السياسية؛ ثانيا؛ أن عدداً من النواب الديمقراطيين انضموا إليه، وهذا يعني أنه يريد مساعدة الرئيس بايدن ولا يريد الضغط عليه. وبعبارة أخری أنه أراد ممارسة الضغط علی إيران للكف عن مطالبتها برفع الحظر عن «الحرس الثوري»، والسير باتجاه التوقيع علی اتفاق يسهلّ إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 دون ربطه بقضايا أخری خارج إطار الاتفاق المذكور.
سألت المسؤول الايراني الكبير الذي ينقذني بمعلوماته في أوقات الشدة عن سبب إصرار إيران علی رفع الحظر عن الحرس الثوري ما دامت هذه القضية لا تتعلق بالاتفاق النووي الذي تريد إيران إحياءه دون زيادة أو نقصان؟ قال إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما انسحب من الاتفاق النووي عام 2018 فرض عقوبات علی الحرس الثوري في العام 2019 وبموجب هذه العقوبات تم اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في بغداد.
وإن استمرار الحظر يعني اعطاء المبرر القانوني للمزيد من هذه العمليات؛ وإن كان السلوك الأميركي لا يحتاج لمثل هذه الأطر القانونية، اذا ما أراد أن ينفذ مثل هذه الأعمال في المستقبل. وأضاف مسترسلا أن إيران عندما دخلت المفاوضات في نيسان من العام الماضي، كانت تهدف إلی إزالة العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي؛ وهي الآن لا تستطيع إزالة جميع هذه العقوبات، لأن الجانب الأميركي طلب تفهم الموقف والقبول بما يمكن للإدارة الأمريكية أن تعمل علی تنفيذه في إطار إحياء الاتفاق
النووي. يقول محدثي إن طهران وافقت علی ذلك لكنها لا تستطيع القبول بإبقاء الحرس الثوري في قائمة الحظر وإن ادارة الرئيس بايدن بمقدورها الإقدام علی هذه الخطوة، لكنها تتخوف من تداعياتها علی شعبية الرئيس بايدن في الانتخابات النصفية ولربما في انتخابات 2024
ايضا.
مفوضية السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي وعلی لسان رئيسها جوزيب بوريل قال إنه يريد القيام بمبادرة أخيرة لتحريك المياه الراكدة في مفاوضات فيينا المستمرة منذ اكثر من شهرين؛ بينما أعلنت طهران أن منسق الاتحاد الأوروبي في مفاوضات فيينا انريكي مورا سيزور طهران، لكنها قالت ايضا انها تنتظر المقترحات الأميركية «الايجابية»، التي تستطيع تحريك الموقف وأن تقدم خطوات بنّاءة للتوصل
لاتفاق. موقع اكسيوس الأميركي نقل عن مسؤول اسرائيلي قوله إن الولايات المتحدة واسرائيل تناقشان طرقا للضغط علی طهران، وهو ما يعني أن واشنطن تريد التوصل لاتفاق لكن ضمن مقاساتها، وهذا ما ترفضه
طهران.
الموقع أشار إلی أن الضغوط الجديدة تسير باعتماد سيناريو الضغط هذا من دون دفع طهران لتصعيد برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلی 90 بالمئة؛ لكن الإيرانيين ليسوا بهذه السذاجة والبساطة حيال ما يتم التخطيط
له.
يبدو أن طهران بعد مرحلة «جائحة كورونا» وبعد مرحلة «الازمة الاوكرانية» ليست كما قبلها مثلها مثل كل التطورات التي يشهدها المجتمع الدولي، وهي الآن أكثر ارتياحا في تعاطيها مع مفاوضات فيينا لأسباب تتعلق بارتفاع أسعار النفط؛ وتطورات تنفيذ اتفاقية التعاون مع الصين؛ وخبرتها في الالتفاف علی العقوبات؛ وتردي مناسيب الاقتصاد العالمي، إضافة إلی عدم اعتماد الموازنة الإيرانية لهذا العام علی نتائج مفاوضات فيينا، في الوقت الذي اعتمدت هذه الموازنة علی سعر 60 دولارا للبرميل الواحد من النفط المصدر.
ويقول مدير ادارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطی بصندوق النقد الدولي جهاد ازعور إن الاقتصاد الإيراني تكييف مع العقوبات في السنوات الماضية؛ مشيرا إلی أن ارتفاع أسعار النفط وزيادة انتاج إيران النفطي اسهما في زيادة العائدات النقدية، وهي نقطة ايجابية تحسب للاقتصاد الإيراني؛ لكن ذلك لا يمنع من ازدياد المشاكل التي يعاني منها المواطن الإيراني جراء اتساع رقعة الفساد المالي؛ وسوء الإدارة في المرافق الحكومية؛ وزيادة نسبة التضخم التي تشكل تحديا كبيرا للحكومة الإيرانية. لكن في نهاية المطاف كما يقول المسؤول الإيراني الكبير هي لعبة الكّر والفرّ بين واشنطن وطهران من أجل الوصول للأهداف التي ترسمها القيادة الإيرانية.