لمصلحة من تعطل القوانين؟

آراء 2022/05/15
...

 اد. كاظم محمد بر يسم العقابي 
 
في عام 2010 تمكن مجلس النواب العراقي من تشريع أربعة قوانين مهمة تتعلق بحماية المنتج وحماية المستهلك وحماية المنافسة ومنع الاحتكار وقانون التعرفة الجمركية، إلا أنه وللأسف الشديد لم تتمكن الحكومة العراقية من تطبيق قانون حماية المستهلك وقانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، لعدم تمكنها من تشكيل مجلس حماية المستهلك ومجلس آخر لحماية المنافسة، ومنع الاحتكار لخضوع إجراءات تشكيل تلك المجالس إلى المحاصصة الحزبية والطائفية المقيتة التي ساهمت بتعطيل تطبيق العديد من القوانين المهمة، التي يحتاجها المواطن 
العراقي.
والذاكرة العراقية مليئة بالأمثلة على ذلك، ولعل أبرزها تعطيل العمل بقانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم 4 لسنة 2009 لأكثر من 11 عاما بسبب اختلاف الأحزاب والكتل السياسية على من يترأس هذا المجلس دون أن يعيروا أيَّ اهتمام إلى دور هذا المجلس في توفير فرص العمل للخريجين ودوره في تنظيم شؤون الوظيفة 
العامة. 
إنَّ عدم تطبيق قانون حماية المنتج في جميع المنافذ الحدودية وبضمنها منافذ الإقليم، ساهم في عدم التمكن من ضبط العلاقة بين المنتج المحلي والمستورد، كما أن عدم تطبيق قانون حماية المستهلك وقانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، تسبب في عدم تمكن الحكومة من تأمين الحماية اللازمة 
للمستهلك. 
والتظاهرات الأخيرة التي حدثت في محافظة البصرة هي خير شاهد على ذلك، تلك التظاهرات حدثت بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المحاصيل الزراعية الناتج عن تطبيق تعليمات الروزنامة الزراعية وتعليمات حماية المنتج دون التفكير في حقوق المستهلك، حيث التزمت جميع المنافذ الحدودية (عدا منافذ الإقليم) بالروزنامة الزراعية والتعليمات الخاصة بحماية المنتج، إلا أنه لم تتمكن الحكومة الاتحادية من إلزام حكومة الإقليم على تطبيق الروزنامة الزراعية التي تصدرها الحكومة الاتحادية، ولم تتمكن كذلك من إلزام الإقليم بتطبيق تعليمات حماية المنتج، ولم يلتزم الإقليم ايضا بالتعرفة الجمركية الصادرة بموجب القانون رقم 22 لسنة 2010، وعلى ما يبدو أن الإقليم يصرُّ على ممارسة أنشطته التجارية باستقلالية تامة، وعدم الالتزام بالسياسة التجارية، التي ترسمها الحكومة الاتحادية، متناسيا أن رسم السياسة التجارية وتنظيم التجارة عبر حدود الاقليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم هما من الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية وفقا للمادة 110 من 
الدستور.
إنَّ هذه الظروف أجبرت التجار في محافظات الوسط والجنوب إلى ادخال بضائعهم المستوردة من إيران عبر منافذ الإقليم، لترتفع بذلك كلف الاستيراد بسبب الزيادة في أجور النقل والرشى، التي يضطر دفعها سائق الشاحنة إلى بعض الفاسدين المتواجدين في السيطرات الموجودة على طول الطريق الرابط بين الإقليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وبطبيعة الحال أن ارتفاع كلفة الاستيراد سيتحملها بالنهاية المستهلك، ونتيجة لارتفاع الأسعار للمحاصيل الزراعية والمواد الغذائية التي يحتاجها المواطن بشكل يومي، تحرك الشارع البصري، مطالبا بفتح الاستيراد من منفذ الشلامجة الحدودي ورفع كل القيود، التي تمنع من دخول المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية عبر هذا المنفذ، وعلى الرغم من استجابة الحكومة وفتح الاستيراد خاصة في ما يتعلق بالمحاصيل الزراعية والمواد الغذائية، إلا أن تلك التظاهرات استمرت وانتهت باقتحام المتظاهرين لمنفذ الشلامجة 
الحدودي.
نحن مع فتح الاستيراد لكن بشرط الالتزام التام بتطبيق قانون حماية المنتج وقانون التعرفة الجمركية وقانون حماية المستهلك وقانون منع الاحتكار، فمن المؤكد أن قانون حماية المنتج لوحده غير كافٍ لحماية المنتج المحلي، وأنَّ الاعتماد على قانون حماية المنتج دون تفعيل بقية القوانين سيعطي نتائج سلبية، لذلك فن الإسراع في تشكيل مجلس حماية المستهلك ومجلس حماية المنافسة ومنع الاحتكار والالتزام بقانون حماية المنتج والعمل بتعرفة جمركية موحدة، سيكون له الأثر الكبير في تطور الصناعة الوطنية وسيسهم في جعل المنتج الوطني منافسا للمنتج الأجنبي، لأنه بتطبيق تلك القوانين سوف لا يسمح بإدخال البضائع الرديئة، وأن تطبيق قانون المنافسة ومنع الاحتكار سيسهمان في خفض الأسعار، كما أن قانون التعرفة الجمركية سيضيف عاملًا آخر لدعم المنتج الوطني، ونودُّ أن نؤكد أن لا فائدة من تطبيق هذه القوانين، اذا لم تتخذ الحكومة الاتحادية إجراءات حازمة لإجبار الإقليم على تطبيق تلك القوانين، إضافة إلى ضرورة قيام الحكومة الاتحادية على إلزام الإقليم في تطبيق قرار مجلس الوزراء رقم 13 لسنة 2019، الذي وحّد الإجراءات والتعرفة الجمركية، والذي تضمن أيضا ربط منافذ الإقليم في هيأة المنافذ الحدودية 
الاتحادية.