الإنتلجنسيا عند رايت ميلز

آراء 2022/05/15
...

 يحيى حسين زامل
 
إن ايمان عالم الاجتماع الأميركي «رايت ميلز» بأن النخبة الأكاديمية (الإنتلجنسيا) في المجتمع يقع على عاتقها واجب أخلاقي لقيادة المجتمع نحو طريق أفضل، من خلال تلقينهم للقيم السامية وتغير غير المجدِ منه.
ليضع على عاتق هذه النخبة مهمة كبيرة وعسيرة في الوقت نفسه، إنها مهمة الإصلاح والتنوير في مجتمع قائم على الإنسانية.
في ظل عالم يشهد تطوراً واضحاً في مركزه، بينما يشهد تقهقراً واضحاً في أطراف كثيرة منه، أي أننا نشهد صراعاً بين المركز والأطراف بوصف المشهد العولمي والكوني في زمن ما بعد الحداثة. 
 ويأتي هذا الشعور لدى «ميلز» لانحداره من طبقة متوسطة في المجتمع، إذ يستشعر هذا الفارق الطبقي الذي وضع الحدود في الحراك الطبقي الأفقي والعمودي، لذلك يجد في النخبة المثقفة وحدهم من يمتلكون المفاتيح لاختراق هذه الجُدر والحيطان العالية، ولكن من خلال الوعي بحالهم أولاً، وبتنوير من هذه النخب التي وجدت الطريق الصحيح، لتخليص المجتمع من مخلفات الجهل والتخلف والاعتقادات غير المجدية، التي غالباً ما تكون راسبة في العقل البشري منذ أقدم الأزمنة.
 ويتصف « ميلز» بأنه راديكالي، وهذه الرديكالية هي التي أنشطت فيه هذا السعي نحو التغيير والتجديد، فهو لم يكن سوسيولوجياً تقليدياً فحسب، بل كان يؤمن ايماناً راسخاً بجدوى النقد والتغيير كنتيجة حتمية لوظيفة المثقف والاكاديمي في المجتمع، بوصفه مثقفاً عضوياً بحسب وصف «غرامشي». 
وتأتي هذه النزعة الراديكالية لتأثره بالفلسفة البراجماتية (النفعية)، التي تُعدّ أحد أهم التيارات الفلسفية المهمة في الولايات المتحدة الأميركية في ذلك الوقت، فانعكست تلك النزعة على توجهه الراديكالي في علم 
الاجتماع.
 وينتمي «ميلز» إلى حركة اليسار الجديدة، والتي ظهرت في دول عديدة كما في أميركا وفرنسا، والتي كانت لها رؤية مختلفة عن اليسار القديم أو الكلاسيكي، وفق منهجية نقدية واجتماعية، لذلك كان «ميلز» شخصية مهمة في تاريخ الفكر الاجتماعي الغربي، لأنه شكل نقطة انقطاع مهمة في مسار الوعي الاجتماعي، الذي بات أسيراً لنزعة محافظة تقليدية ومدافعة عن أية تغيرات في البنية الاجتماعية والمجتمع، ولعل ذلك ما نحتاجه اليوم في الفكر الاجتماعي والأنثروبولوجي في البلدان العربية أو في العراق بالخصوص، نحتاج من يمتلك ذلك التوجه الذي لا يخشى التغيير أو معرقلات التغيير من المجتمع أو
 السلطة.
إن وظيفة النخبة الأكاديمية (الإنتلجنسيا) في العراق تكاد تكون ضعيفة، باستثناء بعض المحاولات هنا وهناك، وهذا الضعف يأتي من عدم اكتراث أكثر تلك النخب لواقع حال المجتمع، أو خشيتهم من ردود الافعال التي تنعكس من مواقفهم النقدية، لذلك يفضل بعضهم الصمت مرة، والتلميح مرة أخرى، وابداء الرأي في مجالس ضيقة ومحصورة بتلك النخب في مرات عديدة، وهذا يعد تهاوناً لهذا الدور والوظيفة التي ابُتنيت على الرأسمال الثقافي والنخبوي والتعليمي لتلك 
النخب.