أحــلام إمبراطـوريات آفــلـة

آراء 2022/05/17
...

 كاظم الحسن 
 
الحنين إلى الماضي طبيعي وجزء من التكوين البشري ولاغبار عليه، إذا نظر إليه كذكريات لأن الإنسان في بعض الاحيان يجد فيه تعويضا عن بؤس الحاضر، وهو تاريخ انقضى ولا يمكن بث الروح فيه. الخطورة تكمن في السياسة حين يعتقد أي حاكم مستبد، أنه بالإمكان إعادة أمجاد الماضي، باستخدام القوة، من دون النظر إلى معطيات الواقع المتغير، لا سيما في عصر أفول الدكتاتوريات والامبراطوريات وبزوغ عهد الديمقراطية، التي تؤمن بحق الشعوب بالاستقلال وتقرير المصير وهو ما يتنافى مع طموحات وأوهام الطغاة. من خلال هذه الافكار ربما يمكن فهم الصراع، الدائر بين الغرب وروسيا وتوضحت الصورة اكثر، بعد الخطاب الأخير للرئيس الروسي فلادمير بوتين، في عيد النصر على ألمانيا النازية، حيث هنأ جمهوريات آسيا الوسطى (طاجكستان وازبكستان واذربيجان وأرمينيا وغيرها من الجمهوريات، التي كانت منضوية في عباءة الاتحاد السوفيتي وكذلك بلاروسيا وكلا من الجمهوريتين الانفصاليتين عن اوكرانيا، وهي رسالة ذات معنى في أن الشرق لا يزال أقرب إلى روسيا من أوروبا الشرقية، وعن الرئيس الروسي قال كيسنجر إن معتقدات بوتين كانت نوعا من الإيمان الصوفي في التاريخ الروسي، وإنه يشعر بالإهانة، بسبب الفجوة الهائلة التي انفتحت مع أوروبا والشرق.
وتابع المسؤول الأسبق بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" الأميركية بأن بوتين تعرض للإهانة وشعر بالتهديد لأن بلاده كانت مهددة بامتصاص حلف شمال الأطلسي "الناتو" للمنطقة بأكلمها، لكنه لم يتوقع أن يكون هجوم بوتين بهذا الشكل. قضية الامبراطوريات المنحلة، لا تقتصر على روسيا بل تتعدى إلى تركيا، التي ترى في سوريا وليبيا وشمال العراق محيطها الحيوي، وكذلك ايران التي تجد في العراق ولبنان وسوريا واليمن أمنها، الذي ينبغي عدم المساس به، لكن يجب الاعتراف بأن امبراطوريات أوروبية لا تملك مثل هذه النظرة المهيمنة على التفكير الستراتيجي، مثل اسبانيا والبرتغال، أما بريطانيا فقد أوكلت هذا الأر إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعد الحرب العالمية الثانية وما زلت تحكم العالم كقطب أحادي، وهذا يجعل روسيا والصين تتمرد على النظام الدولي الجديد، الذي تبلور بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واطلق على هذا التحول نهاية التاريخ، على اساس انتصار الليبرالية الغربية وفي المقابل ظهرت في الفترة نفسها نظرية صدام الحضارات، التي نظر اليها صموئيل هنتغتن، ويبدو أن ما ذهب إليه الاخير نعيش تداعياته اليوم في خضم الصراع بين الغرب وروسيا، وقد يتوسع ليشمل الصين بفعل تمسك الغرب بالنظام الليبرالي في تايوان التي تطالب الصين بضم هذا البلد اليها، كما تفعل موسكو بقضم أجزاء كبيرة من أوكرانيا.