ميادة سفر
قبل دخول الألفية الثالثة كان العالم يملك ثقة عالية بالمستقبل، وهناك أمل بحياة أفضل، وأيام أكثر هناءً ورغداً وأمناً، إلا أنّ ما حدث مع انتشار فيروس كورونا وما تبعه من أزمات، جعل هذه الآمال تتضاءل، وجعلنا نشكّ بكل شيء حولنا ونتوقع المزيد من الكوارث التي هي بفعل فاعل.
يعيش العالم اليوم أوقاتاً قلقة بشأن الغد الذي يبدو مبهماً وضبابياً، وتحوم فيه غيوم الشك وانعدام الثقة بالمستقبل وتساؤلات عديدة حول شكل النظام العالمي الذي ستفرزه الأزمات المتتالية، بدءاً من فيروس كورونا ومروراً بالحروب التي لم تتوقف منذ عقود، إلى الأزمات بين الدول وغيرها من أزمة المناخ والمياه والفقر والبطالة التي يزداد منسوبها بشكل لافت في عديد من دول العالم.
شهدت دول كثيرة في السنوات الأخيرة انهيارات وتآكُل الثقة بمؤسساتها من قبل الشعوب، لا سيما بعد انتشار فيروس كورونا الذي حوّل الأرض إلى معتقل يضم ملايين الرهائن المحتجزين الذين لم يجدوا من يفاوضوه لتحريرهم، بينما اقتصر دور الحكومات على تعداد الضحايا وتقديم النصائح، تراجعت شعبية بعض الأحزاب التي بقيت تتحكم بالسلطة والبلاد، بينما برزت أخرى محاولة انتهاز الفرص، وتزعزعت الثقة بين رجال المال والاقتصاد والمؤسسات الاقتصادية العالمية وحكومات الدول، كل ذلك انعكس سلباً على حال الشعوب التي زاد قلقها وخوفها من المستقبل الذي تنظره.
إنّ انعدام الثقة بالحكومات ومؤسساتها أولاً، والسياسات التي تنتهجها ثانياً، وضبابية المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي يعيشه الإنسان، لا بدّ أن يترك أثره المباشر في الاقتصادات التي عليها يبنى المستقبل عبر تلبية حاجات المواطنين وضمان أمنهم السياسي والاقتصادي، لذاك فإنّ أيّ خلل يصيب العلاقة بين الناس والنظام القائم بمختلف تشعباته، يؤثر في الثقة في ما بينهم، حيث يشعر المواطن أن ذلك النظام لا يعبر عنه ولا يحاكي قيمه ولا يعمل لمصلحة الشعب وإنما لمصالحه الخاصة، وذلك سيؤدي حتماً إلى تراجع الأداء الاقتصادي وبالتالي المراوحة في المكان، وازدياد القلق بشأن المستقبل.
كثيرة هي العوامل التي ساهمت في تضاؤل الآمال بالمستقبل، من بينها التكنولوجيا التي كان لصعودها إيجابيات لا يمكن التغاضي عنها، غير أنها تسببت في زيادة وتعميق المخاوف بشأن مستقبل العمل، واستمرار بعض المؤسسات في العمل، فضلاً عن الفساد الذي تعاني منه أغلب دول العالم ودولنا على وجه الخصوص، هذه وغيرها من العوامل انعكست على سلباً على الواقع الذي يعيشه الإنسان في هذا الزمن.
لا يمكن لجهود فردية تقوم بها دول هنا وأخرى هناك، أن تعيد الثقة والأمل بالمستقبل، بل يحتاج الأمر إلى تضافر الجهود والرغبة من قبل الجميع دون استثناء، لتحييد الإنسان عن العلاقات الدولية التي تتسبب في أزمات وحروب، وجعله محط اهتمام أوسع، والاقتناع بأنه محور الكون وبه تنهض الأمم وتستمر.
لا شكّ أن تحقيق هذه الأقوال محض خيال وآمال غير قابلة للتحقق أقله في المدى المنظور، طالما استمر انقسام العالم إلى يمين ويسار، غرب وشرق، ومحاولة كل طرف سحب البساط إليه، سيظل الإنسان في أي مكان على هذه الأرض هو من يدفع الثمن، بينما يتنعم القادة والزعماء بالمناصب وثمارها.