أحلام فرنسيَّة والواقع عراقي

آراء 2022/05/17
...

 رعد أطياف
 
معظمنا يعشق دور المتمرد والثوري والناقم على العادات والتقاليد. 
وهذا أمر عظيم، لكنه لا يلامس إلّا الشكل الخارجي للموضوع، ذلك أن العادات الراسخة والعصاب المختبئ في الذهن، لهو أشد تأثيراً وأولى بالتمرد عليه.
إننا نهرب من مواجهة مخاوفنا الداخلية وأفكارنا التي تلوث لحظاتنا عبر ملامسة الشكل دون المضمون. 
هؤلاء الذين يواجهون المناطق المظلمة في أعماقهم ولا يجعلون من أذهانهم مكبّا للنفايات هم المتمردون حقاً، هؤلاء الذي يواجهون عاداتهم الذهنية مثل: الحسد، الغيرة، السوداوية، الشعور بالدونية، الخوف من المجهول، والكآبة، هم المتمردون حقاً.
إنهم يتخذون صفة الطبيب بدلاً من صفة الجلّاد، ولا يبثّون سمومهم على الآخرين بقدر ما يمنحونهم بلسماً لجراحاتهم. 
إذ من غير المعقول أن نتقمّص دور المتمردين لكننا لا نلامس إلا الجانب السطحي من 
الموضوع.
لذلك نشهد عن بعض الناس جموحاً «نقدياً» تجاه الدين، غير أنه لا يعطي ثماره المرجوة بسبب غياب الشروط الداعمة، فتوجيه النقد لعقائد الناس، على سبيل المثال، في بيئة اجتماعية لم تنضج بما فيه الكفاية، لا يختلف كثيراً عن أي موضة حداثية مر بها العراق وسرعان ما تبخرت ولا تلقي بظلالها الإيجابية سوى على عدد محدود من 
الناس. 
ذلك أن لكل شيء بناه التحتية، والمقدمات العقلانية لتأسيس قاعدة نقدية هو بناء مؤسسات علمية رصينة تشجع على حرية النقد. 
لكن الكثير يتذرع بحرية التعبير، وهذا صحيح إجمالاً.
لكن حرية التعبير من دون حرية تفكير فهي لا تعدو أن تكون تفريغا نفسياً لا يثمر أي نتيجة إيجابية على صعيد الفكر والسلوك، بل سيولد عداوات شخصية لا معنى لها. 
ربما من المفيد والواقعي العمل على بناء الذات بدلاً من قطف الثمار قبل أوانها. 
فنحن في مناخ اجتماعي غريب، كثيراً ما تستهويه لعبة حرق المراحل، وشواهد تاريخنا السياسي خير دليل. 
لذا، ومن منظور عابر للأمزجة الفردية، أن زوال أي ظاهرة يقتضي زوال الشروط التي أوجدتها، وبخلاف ذلك سيغدو الفكر مغترباً عن مواضيعه؛ الفكر في عالم ومواضيعه في عالم آخر، نفكر كما لو أننا فرنسيون؛ الأحلام باريسية والواقع 
عراقي. 
خلاصة القول، وبصرف النظر عن بناء الذات الفردية، أن التغيير هو تغيير سياسي قبل أن يكون أي شيء آخر؛ ذلك أن التغييرات الاجتماعية طويلة الأمد، ومن يراهن على التغييرات الاجتماعية قبل السياسية كما لو أنه يكتب على الرمال، فوقائع التاريخ تخبرنا أن التغييرات السياسية تسبق بالضرورة التغييرات 
الاجتماعية.