في مسائل التحسب ودفع البلاء

آراء 2022/05/17
...

 سعد العبيدي 
 
لم يكن شح المياه في نهري دجلة والفرات جديداً على أهل العراق، فالحذر من احتمالات حصوله بدأ من عشرات مضت من السنين، وعشرات أخرى من الدراسات عن مواضيع التصحر والاحتباس الحراري أكدت جميعها حصول الشح في المستقبل ليس البعيد، وسدود بدأت في تشييدها تركيا النامية بقوة على هذين النهرين اللذين ينبعان من جبالها طوال آلاف  السنين، وكذلك فعلت إيران في روافدها التي تصب في العراق، سدود وتحويرات تؤثر دونما أدنى شك في كميات المياه الجارية إلى
 العراق. 
ولم تكن العواصف الرملية والترابية، والقيظ اللاهب جديدة على سكنة هذه البلاد، فمنذ النشأة الأولى لدولتهم بوضعها الحديث في الربع الأول من القرن العشرين وأجواء العراق فيها من الغبار حداً بدأت المناداة واضحة بداية خمسينات القرن الماضي لإقامة الأحزمة الخضراء حول المدن وزيادة مساحات التشجير، لكنها مناداة ومطالب ومسودات مشاريع لم تر النور لأكثر من ستين عاماً، وكأن العقل العراقي قد أصيب باضطراب التحسب للمستقبل، وكأن التحول في نهج التفكير الثوري الذي حصل في العام (1958)، قد غيّر من طبيعة وسياقات الإدارة في التعامل وحل المشكلات المستقبلية، ودفع بالقادة الثوريين إلى التعامل مع الحاضر، حل مشكلاته بوسائل الترقيع، السعي لإرضاء الجمهور الماثل في الوجود، من دون النظر إلى المستقبل، وإلى التهديدات التي يمكن أن تطول الأجيال اللاحقة. 
إن الإفراط في تعامل الساسة الثوريين مع الحاضر، وعدم اعارة الاهتمام إلى المستقبل أوقعهم والبلاد في دوامة المشكلات الآنية، أنساهم الحق في التفكير بمشكلات المستقبل، وآثارها المحتملة، جعل الواحد منهم ساعياً لأن يعيش يومه، راغباً في أن يعلق مشكلات المستقبل على الغير من بعده، وعلى الله سبحانه (يحلها الحلّالْ)، وهو على وجه العموم تعامل أناني فوضوي، يحتاج العراقيون أن يعيدوا النظر به، وأن يعطوا التحسب المستقبلي أهمية لا تقل عن إعارة الاهتمام إلى الحاضر والترضية ودفع البلاء.