النقد الذاتي

آراء 2022/05/19
...

 عدوية الهلالي 
 
عندما يتعلق الأمر بأشياء سيئة مثل العنصرية والاستعمار والاستغلال والتلوث البيئي والحرب وعدم المساواة، فإنها ترتبط دائمًا بالغرب ونادرًا ما ترتبط بالثقافات أو البلدان الأخرى. لذلك فإن الاشمئزاز من الغرب ليس بالأمر الجديد، لكنه اشتد وانتشر في السنوات الأخيرة. فخلال تظاهرة في الجامعة الأميركية في ستانفورد خلال الثمانينيات، طالب الطلاب بإلغاء الحضارة الغربية، وفي أواخر الستينيات، أعلنت الناشطة النسوية سوزان سونتاغ أن «العرق الأبيض هو سرطان التاريخ البشري» وأن «أيديولوجياته واختراعاته» - هو الشيء الوحيد في العالم الذي «يدمر» الحضارات الأخرى. كما قال الرئيس بايدن إنه لا تزال هناك «عنصرية مؤسسية» في الولايات المتحدة. بينما يدعي الكاتب الأميركي المناهض للعنصرية، روبن ديانجيلو أن البيض جميعهم تقريبًا عنصريون. وأن من المفترض أن يشعرالغرب بالذنب تجاه ماضيه.
ونظرًا للكم الهائل من النقد وجلد الذات من القادة والمفكرين الغربيين، الذين يعتقدون اليوم أن هناك بالفعل شيئًا خاطئًا بنيويًا في مجتمعاتهم وأن الحضارة وكذلك تاريخ الغرب يقومان أساسًا على الاستغلال والعنف. فمن المعقول أن نقول إن الغرب يعاني من أزمة هوية. ولكن هل الغرب حقاً بهذا السوء كما يقولون؟ يمكننا أولا ان نقول بأن النقد الذاتي صفة جيدة وبعد كل شيء، لا يوجد مجتمع مثالي. والمهم ان الغرب وعلى الرغم من كل الاختراعات والعلوم والمعارف التي قدمها للعالم، لكن هناك من يشعر فيه بالذنب لما لحق بالعالم بسببه من دمار.
متى يمكننا – نحن - أن نعترف بأخطائنا التي ارتكبناها في الماضي ونشعر بالذنب لما تسببت فيه من دمار لبلداننا؟.
في الماضي، ظل النظام السابق يكابر ويرفض الاعتراف بأخطائه الجسيمة، التي قادت البلد إلى الحصار والدمار ثم سلمته لقمة سائغة بيد أميركا وحلفائها ممن نادوا بالتحرير والتغيير، لكن ماحدث أنهم أوصلوا العراق إلى الهاوية وحولوه إلى بضاعة يتنافس على اقتنائها من يمتلك كتلة او حزبا او سلطة دينية، بينما ينتظر الشعب الفرج على أيديهم او ايدي غيرهم، لم يعد الامر يشكل فرقا لديه فالمهم ان يخرج من الهاوية ويواصل الحياة. فهل لدينا اليوم من يمتلك شجاعة النقد الذاتي كالغرب فيخرج للملأ ليقول إنه تسلق سلم السلطة على أكتاف المحاصصة، وإنه لم يقدم للشعب العراقي ما كان يتمناه بل سلبه ما أصبح حلما بالنسبة له، هل لدينا من يخرج ليعترف أنه أفرغ خزائن البلد وملأ خزائنه، او طرد بعض السكان من ديارهم وأصبحت أراضيهم ملكا له او لأعوانه.. أو تحالف مع الدول الخارجية ليغرق البلد بمنتجات زراعية وصناعية فيسيء إلى القطاع الزراعي والصناعي ويسهم في غلق المصانع المحلية وهجرة الاراضي الزراعية وجفاف الأنهار، عدا ما جلبه التحكم في فتح الحدود وغلقها من مصائب أخرى على البلد، اذ أصبحت بعض المناطق والحدودية منها بالذات مرتعا لعصابات المخدرات والاتجار بالبشر. هل لدينا من سيمارس جلد الذات ليحرر نفسه من الذنوب. أعتقد أن لدينا من يمارس وسيواصل ممارسة جلدنا نحن بوعود باطلة وبطولات وهمية وأكاذيب لا حصر لها.