لم تكن “ل. و” بوعيها الكامل عندما كانت تتنقل مع رجل الامن المختص بين غرف التحقيق لتثبيت اقوالها، فهي شاردة الذهن تارة، وعلى درجة عالية من التركيز تارة أخرى، وبالرغم من انها لا تعد جريمتها كبرى، فهي بحسب رأيها سرقة واختلاس اضطرتها اليها مرارة الواقع والأجواء الاسرية المشحونة التي تعيشها نتيجة ازدياد الاحتياجات، وضرورة البحث عن لقمة العيش اليومي، لكن حقيقة الامر تؤكد انها مجرمة نفذت سرقات يومية واسهمت في هدم بنية المجتمع وايذاء الناس.
”ل. و” لـ “الصباح” انها تعيش مع زوجها وزوجته الثانية في احدى العشوائيات بأطراف منطقة سكنية، وان ضرتها انجبت الكثير من الاطفال فيما لم تنجب هي الا بنتاً واحدة، واجبرها زوجها على احضار المال يومياً، وقد تعلمت السرقة من ترددها اليومي على الأسواق والمحال التجارية بالتعاون مع مجموعة مؤلفة من الشباب والنساء، وانها كانت مجبرة على ما تقوم به، واقتصرت سرقاتها على قطع الملابس والاموال والمصوغات الذهبية، وأكدت انها تريد العيش مثلما يعيش
الآخرون.
تفكك أسري
ولمعرفة واقع الجريمة بين النساء ومعدلاتها تحدث لـ”الصباح” العقيد قيس عامر مدير مكافحة الاجرام في كركوك قائلاً: ان انتشار الجريمة، كارتكاب السرقات والاختلاس والقتل وانضمام البعض منهن الى عصابات الجريمة شهد تصاعداً في الخط البياني نسبة الى الفترات القليلة الماضية.
مشيراً الى ان اكثر جريمة ترتكبها النساء بمختلف الاعمار هي السرقة، وخاصة بين العوائل التي اجبرتها ظروف الوضع الامني الصعب على النزوح وترك مناطق سكناها، مبيناً ان المحافظة تشهد حالياً تكاثر مرتكبات السرقة من اللواتي قدمن من محافظات اخرى نحو كركوك، وحسب التحريات والمتابعة ضمن الوجبات الموكلة الى دورياتنا، فان اغلبهن يعملن على شكل مجاميع في الاسواق المزدحمة ويتنكرن بالملابس الرثة التي تدل على العوز والحاجة، او يمارسن التسول، مضيفاً ان البعض الاخر ممن قمنا بالقاء القبض عليهن خلال الفترة الاخيرة هن من مرتكبات جرائم القتل بدافع ظرف معين، او من المنضمات الى عصابات ترتكب الجرائم بما فيها الاختلاس او التحايل.
واوضح عامر ان العمل وباسناد الاستخبارات العاملة في مجال البحث عن الجريمة قاد ايضاً الى كشف العشرات من النساء اللواتي يتعرضن للاستغلال او البيع او العمل ضمن اماكن البغاء، وتم القبض على 11 متهماً ببيع النساء القادمات من محافظات اخرى، أو استغلالهن للعمل في البغاء او اماكن اللهو المحرمة، وهو ما يسمى بجريمة الاتجار بالبشر، منوهاً الى ان اغلب القصص تبدأ بالتحايل على فتاة صغيرة او في سن المراهقة من خلال استغلال وضعها الاسري او هروبها من عائلتها بعد تعرضها للعنف، او نتيجة ظروف اخرى، ويبقى العنف ابرز دافع للنساء نحو ارتكاب الجريمة، اذ غالباً ما تتعرض هذه الشريحة للعنف في البيئة الاسرية، وكذلك الضغوط المادية وظروف التفكك الاسري التي تعيشها عائلتها والتنشئة في الطفولة التي قد تكون هشة ولا تستطيع المقاومة امام مغريات العصر.
ظلال الارهاب
وعن النساء اللواتي ارتكبن اعمالاً ارهابية او ساعدن على ارتكابها اكد مصدر امني في احدى الدوائر الاستخبارية في كركوك لـ “الصباح” ان اغلب النساء المشاركات في جرائم الارهاب هن من قريبات الارهابيين كالزوجة او الاخت او البنت، وتختلف مشاركاتهن في العمليات الارهابية، فمنهن من تكون منغمسة في العمل الارهابي كزوجة امير او اخته، او من العضاضات والانتحاريات، وكذلك من يتركز تنفيذ جرائمهن على نقل العبوات او الهواتف النقالة وايصال المعلومات والاموال بين الخلايا، وهذا واضح في مركز المدن، اما بالنسبة للاقضية والنواحي فان جرائم النساء الارهابية تتعدى الى ارتداء الحزام الناسف والقيام بعمليات انتحارية وغيرها، مشيراً الى انهن يتميزن بالقوة والجرأة لانتمائهن الى البيئة الريفية التي تجعل المرأة قادرة على التحمل على عكس من تتربى في المدينة.
وأكد المصدر القبض على عشرات الارهابيات في اقضية ونواحي محافظة كركوك كالدبس ، وداقوق ، والحويجة، واضاف ان الارهابيين استغلوا ضعف المرأة وطريقتها في الملبس وطبيعتها التي لا تلفت انتباه رجال الامن ليستخدمونها اداة بالضغط والتخويف والاجبار والتهديد، اضافة الى انتهاك حقوقهن باختيار الشريك او تزويجها قسراً واجبارها على العمل في معسكراتهم لتقديم الخدمة لهم ابان سطوة العصابات الارهابية، ونوه المصدر الى ان الكثير من الارهابيات سلكن طرقاً مختلفة بالتنقل بين المناطق ومساعدة الارهابيين، نتيجة قناعتهن بالفكر الارهابي والاجرامي ولكن القوات الامنية كانت لهن بالمرصاد من خلال الجهد الاستخباري والملاحقة وعمليات الدهم والتفتيش، فالقي القبض عليهن وتم احباط العديد من عملياتهن وكشف خلايا ارهابية ايضاً عن
طريقهن.
وقال المصدر الامني: ان مكافحة الجرائم الارهابية التي ترتكبها النساء جرت وتجري وفق القانون وعبر الاحاطة الكاملة من خلال التحقيقات، مبيناً ان هناك دراسات ومفاتحات وتعاوناً مع وزارة العمل والتخطيط والامانة العامة لمجلس الوزراء اجريت للحد من تلك الجرائم بعد تسجيل المؤشرات والاسباب التي تؤدي اليها.
آراء ومعالجات
واكدت الناشطة سرود محمد فاتح من جمعية الامل فرع كركوك ان ارتفاع معدلات الجريمة المرتكبة من قبل النساء ولو بنسبة بسيطة او برقم قليل له تأثيرات سلبية في المجتمع وبنيته ومستقبل اجياله، كون مجتمعنا محافظاً وما زالت تسري فيه العادات والتقاليد بين الافراد والجماعات من خلال الانتماء العشائري، وان اول اسباب الارتفاع الطفيف هو توفر السلاح في البيوت، وتراكمات الحروب وضحاياها، وفقدان الاب والزوج وتردي الوضع الاقتصادي للكثير من شرائح المجتمع، اضافة الى العنف الاسري وانتشاره بكثرة نتيجة ضغوط الحياة، والزواجات السريعة لصغيرات السن التي تؤدي الى الطلاق وارتفاع اعدادها مؤخراً، وكذلك مشاكل النزوح وغيرها.
واشارت فاتح الى ان اتخاذ الاجراءات الصارمة واتباع النصح وتحسين التنشئة تسهم في الحد من هذا النوع من الجريمة، اضافة الى ضرورة توعية المجتمع بدور المرأة واهميتها، وبانها مخلوق يجب احترام حقوقه لمنع استغلالها بكل الاشكال، وخاصة الاستغلال الجسدي لمن اجبرتهن الظروف على العمل في الشارع.
واضافت فاتح: ان دور الدولة والجهات المسؤولة بالدرجة الاساس يكمن في تنفيذ القانون وسن وتشريع قانون العنف الاسري، وحماية المرأة وتوفير حقوقها والابتعاد عن تهميشها، وكل هذا ينهي الكثير من الظواهر السلبية في المجتمع، ونلاحظ ان هناك اهتماماً من قبل الحكومة في اعطاء النساء حقوقهن ورعاية المهمشات منهن وتنفيذ مشاريع تسهم في تطويرهن.