حسن العاني
الدكتور “ن” واحد من أكفأ الأساتذة الذين تولوا التدريس في أكثر من جامعة عراقية وعربية، وقد تميز بإخلاصه الشديد في أداء عمله الوظيفي، مع الحرص على تقديم الأفضل لطلبته، وكان يصرف من وقته كل يوم “13” ساعة لمواكبة مستجدات العصر العلمية، ومن هنا حرم نفسه من متع كثيرة، لأن أجمل متعة هي الاطلاع والمتابعة والبحث.
لم يتغير كثيراً حتى بعد احالته على التقاعد، فقد أفاد من الوقت الجديد لمزيد من الكتابة ونشر بحوثه ودراساته في أرقى المطبوعات، ولعل “التحرر” من الوظيفة التدريسية، هيأ له فرصة اصطحاب أسرته في سفرات مفتوحة، وبات يستقبل أصدقاءه ويتبادل الزيارة معهم، ويتابع الفضائيات وإن كانت متابعته لها محدودة جداً، ولا تأخذ من وقته أكثر من ساعة في الحد الأعلى.
الأمر الوحيد الذي أثار استغرابه هو ذلك الشخص الذي كان يظهر على الفضائيات يومياً بصورة لافتة للنظر، كما توصل إلى قناعة بأن هذا الشخص “عبقرية استثنائية”، فهو يتحدث بطلاقة، ويطرح آراءه بثقة عالية وهو يتناول على هذه الشاشة – مثلاً – قضية الرياضة في العراق وأسباب تراجعها، وعلى تلك الشاشة قضية الاحتباس الحراري، وعلى فضائية ثالثة مشكلة المياه وشحتها، وعلى شاشة رابعة قضية تتعلق بغسيل الأموال، وعلى الخامسة موضوعاً سياسياً حساساً حول الانتخابات ومطبات الدستور، وعلى السادسة يناقش مسألة الحلال والحرام في الإسلام، وعلى شاشات أخرى وأخرى يناقش أو يتحدث بالطلاقة نفسها عن موضوعات في الفلك والكواكب والمجرات وزواج القاصرات وعلاقة الاقليم بالمركز والبطالة والجينات الوراثية وارتفاع معدلات الطلاق، والدكتور يزداد استغراباً ودهشة واعجاباً – فأية قدرة فائقة لهذا الضيف الفضائي؟ ولماذا لا تسند إليه الحكومة وزارة – قبل أن يذبل اعجابه وتزول دهشته حين تحدث الضيف الفضائي عن مشكلات التعليم الجامعي، وذكر في ما ذكر أرقاماً لا صحة لها، ومعلومات كاذبة وآراء تدعو إلى الضحك، وزال استغرابه بصورة نهائية عندما قال مقدم البرنامج “لا يسعني في الختام إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى السيد النائب على معلوماته المهمة وعلى سعة صدره” فقد تذكر الدكتور السبب الرئيس وراء متاعب البلاد.