وحدها الأم تستقبل ابنها الشهيد بالزغاريد، تكفكف دموعها، تحتضن صورته، وتلوذ في صمت يجمع كل حزن العالم وكبريائه وفخره، إنها أجمل الأمهات، تلك التي انتظرت ابنها فعاد مكفناً بعلم الوطن، عاد مستشهداً.
يحظى عيد الأم في بلداننا العربية باحتفاء كبير ووقع مختلف, بحكم الروابط الاجتماعية والعلاقات الأسرية المتينة التي لا تزال تميز مجتمعاتنا، في هذا اليوم يغدو بيت العائلة مزاراً لكل أفراد الأسرة متمنين لأمهاتهم طول العمر والصحة، لكن في السنوات الأخيرة تحول هذا العيد ألماً وحزناً، بعد كل ذلك التشتت والتشرد والتهجير الذي سببته الحرب الأخيرة في منطقتنا العربية، تلك الحرب التي تركت في كل بيت وجعا، وفي كل قلب غصة، وفي كل عين دمعة، بعد آلاف الشهداء والمفقودين والجرحى الذين كانوا ضحيتها.
وحدها أم الشهيد الفخورة دوماً، مبتسمة وهي تقول: “أنا أم الشهيد البطل”، تختزل في عينيها، في قسمات وجهها كل معاني البطولة والفخار، هي المنسية اليوم في انشغالٍ بتقاسم غنائم الحرب، هي المظلومة في زمن ينعدم فيه العدل وتنتحر الأخلاق والقيم، لا شعارات ولا لقاءات ولا تكريم ولا تعويض مادي، سيعيد لها أغلى ما فقدت، وحده القضاء على الإرهاب ومنبته، وعدم تكرار ما جرى كي لا تعيش أمهات أخريات ما عاشته، سيريح قلبها الموجوع.
بعد كل تلك السنوات الطويلة من الحرب، لا شيء يلملم جراحات أم فقدت ابناً، أو انتظرت عودة مفقود، لا كلام يخفف أوجاع قلوبهن وهن ينظرن إلى صور أبنائهن الغائبين الحاضرين، كثيرات رحلن عن الدنيا على أمل أن تشم رائحة ابن خطف أو فقد أثناء المعارك، أمل أن ترجع ساعة الزمن بضع سنوات إلى الوراء ليعود إليها.
أمهات الشهداء في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان، وكل أمهات المفقودين والجنود المرابطين على خطوط النار، لا كلام يفي قلوبكن الصابرة القابضة على جمر الأشواق ووجع الانتظار، لا كلام يعوض دمعة أم ذرفت في وداع فلذة كبدها، لكنّ ولأبنائكنّ ننحني، نقبل الأرض تحت أقدامكن، فأنتن اللواتي غرسن في قلوب الأبناء تلك المحبة التي فضلت الوطن على الروح، فارتقوا شهداء ليحيا الوطن، لكنّ باقات حب وعرفان، فأنتن أجمل الأمهات.