ريسان الخزعلي
تنشغل الأجيال الجديدة بتطورات التكنولوجيا وبخاصة الصناعية منها، ومثل هذا الانشغال قد يجعلها في موقف الدهشة والانبهار، وهذا شيء طبيعي. لكن مراجعة التراث الشعبي تعيد الصورة الأولى البدائيَّة لهذه التطورات وتكشف قدرة الإنسان في الابتكار، قدرته في مقاومة كل ما يعيق استمراره في الحياة خلال العقود أو القرون الماضية.
ومن تلك القدرة براعته في الصناعات والحرف اليدوية.
وهكذا جاء كتاب (الصناعات والحرف البغدادية) للشيخ جلال الحنفي ليكون الكاشف عن تلك البراعات والمهارات.
والشيخ الحنفي، رجلٌ موسوعيٌّ معروفٌ باهتماماته الفولكلورية، من بين اهتمامات متعددة، فقد كتب: معجم اللغة البغدادية بأجزائه المتعددة، المغنون البغداديون، الصناعات والحرف البغدادية، وغيرها.
في كتاب (الصناعات والحرف البغدادية) قدّم بحثاً واستقصاءً في هذا الجانب من التراث الشعبي، إذ لم يغفل أيَّ صناعة أو حرفة شهدتها بغداد في عصورها الخوالي، وبذلك وفّر للأجيال مساحة اطلاع لما فعلهُ الأجداد من تأسيس حرفي مهني يُقاوم النسيان.
جاء في مقدمة الكتاب توضيحٌ عن أهمية الكتاب: هذا بحث معجمي في الكلام على عددٍ من الصناعات والحرف البغدادية مما أدركه أهل هذا الجيل وما لم يدركوه بسبب انقراضه وزواله، يُضاق إلى ذلك ما كان قد جدَّ من صناعات وما اتخذت الناس بعد الحرب العالمية الأولى من وسائل للتكسّب والحصول على لقمة العيش.
ومن المهم في هذا المؤلَف أنه استوعب جمهرة كبيرة من الألفاظ والمفردات العاميَّة الاصطلاحية التي آل فريقٌ عظيمٌ منها إلى الانقراض والخروج عن نطاق التداول.
وفي هذا خدمة للفولكلور اللغوي، ظاهرة الفائدة في مباحث تأصيل الألفاظ وتخريجها.
لقد جاء الكتاب بلغة بسيطة سهلة لتكون أقرب إلى طبيعة هذا الموضوع الفولكلوري، ولأهمية الكتاب، قام الباحث عبد الحميد العلوجي بمهمة تنسيقه وتبويبه.
جاءت فصول الكتاب على النحو التالي: (الباعة المتجولون، المهن المؤقتة، الصياغة والحدادة والتعدين، النجارة وما إليها، الحفّارون والمنظفون، الترفيه الاجتماعي، العمّالة، الدلالة والصيرفة وأعمال التعهّد، الزجاج وملحقاته، باعة السجّاد والنوادر والتحف، الفرّانون، التكسّب بالتعليم والموالد والشعر، الوقود والإضاءة والتنوير، المكاييل والموازين، الحرف التهريجيّة، المكيفات، الصحة والتجميل ووسائل اللهو، المياه والألبان، شؤون البيطرة، الأطعمة، القصابة وملحقاتها، الحمل والنقل، الغزل والنسيج والأقمشة وملحقاتها، الوراقة والتجليد والطبع والتصوير، المهن الزراعية، الفخار وأعمال الطين، الأحذية وملحقاتها، الخوّاصة وحاكة الليف، باعة الأرصفة، وغيرها.
كما تمَّ تعزيز الكتاب بصورٍ فوتوغرافية بالأبيض والأسود لمعظم الحرف والصناعات البغداديَّة).
ورغم أنَّ الكتاب تناولَ الحرف والصناعات البغدادية تحديداً، إلا أنَّ معظم هذه الحرف والصناعات كانت شائعة في كل مدن العراق، وربما كانت (البغداديَّة) التي يعتدُّ بها الشيخ الحنفي هي الحاجز النفسي الذي أبعدهُ عن التعميم.
كتاب (الصناعات والحرف البغدادية) وثيقة فولكوريَّة، تصطف مع غيرها علامات في متحف التراث الشعبي العراقي.