مترو بغداد

الصفحة الاخيرة 2022/05/21
...

جواد علي كسار
 
لا أشك بأن عاصمة بلادنا، لا يمكنها أن تتجاوز أزمة الاختناقات المرورية إلا عبر نظام «المترو» إضافة إلى بقية الوسائل الفاعلة، من قبيل الأنفاق والجسور وشقّ الشوارع الجديدة، وهكذا!
لقد كان المفروض أن تبدأ حركة القطارات تحت الأرض في بغداد مطلع خمسينيات القرن الماضي، لكن العاصمة تأخّرت عن «المترو» الذي تحوّل إلى ثقافة عادية في بعض دول الجوار، بينما راحت مشكلة النقل تتفاقم على مدار سبعة عقود، وتهدّد اليوم بالتحوّل إلى أزمة قد تكون خانقة، لا سيما في ظلّ بعض الأوضاع الطارئة التي تمرّ بها البلاد.
العجيب الذي نسمعه من البعض، أن إنشاء المترو صعب في بغداد لوجود نهر دجلة، ومن زار القاهرة وتمتّع بنعمة خدمة المترو والأنفاق فيها، يعرف أن قطاراته تنقل المسافرين طابقين تحت نهر النيل، وقد أسهمت الخطوط الأساسية الأربعة بفك اختناقات القاهرة، بمعدّل نقل يومي يقترب من أربعة ملايين مسافر، مرشحة للزيادة بعد افتتاح بقية الخطوط.
خذ مثالاً آخر من اسطنبول المدينة الأكبر في تركيا، فهي تعيش وفي قلبها بحر يوزّعها إلى شطرين آسيوي وأوروبي، ومع ذلك فهي تنعم بخدمة قطار الأنفاق، ولم يتحجّج أحد بالبحر عن إنشاء المترو، تماماً كما حصل في طهران التي جادل قسم مهمّ من المتخصّصين الهندسيين، بأن إنشاء المترو فيها من الصعوبة بمكان إن لم يكن مستحيلاً، لخطر المياه الجوفية، لكنه ها هو الآن واقع قائم في هذه المدينة بخطوطه السبعة، وقد تحوّل إلى وسيلة النقل الفضلى بالسرعة والأمان والمال واختزال الوقت.
مكة المكرمة معروفة بجبالها الحصينة التي تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، لكن إرادة الفعل اخترقت الصمّ الثقال، وهي تحظى الآن بشبكة من الأنفاق في قلب هذه الجبال، تزيد على السبعين.
عندما يقرّر الإنسان تتلاشى الصعاب؛ ولن أتحدّث عن نفق المانش بين بريطانيا وفرنسا، وكيف صنعت إرادة الإنسان هذه المعجزة، وهي تبني نفقاً تحت البحر بين البلدين، على عمق (75) متراً من سطح الماء، وبطول يصل إلى (40) كم تقريباً، ليكون النفق الأطول في العالم تحت البحر، إنما أُشير إلى تجربة نفق جولانج الجبلي في الصين، عندما أبت الحكومة تمويله لأنه يحتاج إلى (300) نفر من اليد العاملة، فبادر (12) من سكان المنطقة القرويين، بتشييده بطول (1200) متر ليتحوّل إلى واحد من أعظم أنفاق العالم وأخطرها.
هذه التجارب وغيرها تعلن بصوت جاهر، أن لا شيء يتحدّى إرادة الإنسان عندما يقرّر وتنطلق همته بالعمل.