بيضة القبّان

آراء 2022/05/21
...

 رزاق عداي
 
 في ربيع عام 1954 قدم رئيس الوزراء العراقي آنذاك ( فاضل الجمالي) استقالته على إثر أزمة، افتعلها (نوري سعيد وبطانته)، بحجة عجز الأول في مواجهة فيضان نهر دجلة الكبير في ذلك العام، والأمر ليس كذلك كما شرحه فاضل الجمالي، نفسه، لاحقا في رسالة له إلى آخر سفير أميركي في العراق ( الديمار غولمان) في عام 1964 كما ورد ذلك في كتاب الاخير ( نوري سعيد باشا ) كما عرفته، عموما وافق (ارشد العمري) على تشكيل الوزارة بشرط (ويبدو أن رؤساء الوزارات هم من يضع الشروط آنذاك) ان يكون ذلك لمدة مؤقتة، وعلى قدر مدة الانتخابات التي كان مزمعا اجراءها في ذلك العام ( كما في صيغة وزارة الكاظمي اليوم)، وعين يوم 9 حزيران موعدا لها، وأعطي الوعد بأنها ستكون حرة، وحالما أعلن عن ذلك قام الكثيرون من المستقلين بترشيح أنفسهم، كما دخل التنافس الانتخابي حزب الاستقلال ذو النزعة القومية، والحزب الوطني، وحزب الأمة.
وتشكلت جبهة وطبية انتخابية مؤلفة من الوطنيين وحزب الاستقلال، ومن المستقلين اليساريين السياسيين المتفرقين، وكان مجموع المرشحين ( 466 ) مرشحا لمقاعد يبلغ عددها (135) في مجلس النواب، 
وحين عدت الأصوات ظهر أن الجبهة الوطنية قد حصلت على (14 ) مقعدا، وقد استاء القصر استياءً شديدا من النتيجة، واستشاط نوري السعيد غضباَ وكان آنذاك في لندن، كذلك انزعجت العناصر المحافظة الأخرى، وكانت حجة المستائين أن وجود هؤلاء بعددهم القليل وبمواصفاتهم غير العادية مقارنة ببقية أعضاء البرلمان وبما يمتلكون من وسائل تأْثير هم قادرون على خلق مشكلات جمة للنظام، ولذلك عندما فاوض الوصي نوري سعيد على تشكيل الوزارة، بعد استقالة العمري، اشترط (السعيد) أن يوافق القصر على إلغاء نتائج الانتخابات وحل البرلمان، واجراء انتخابات جديدة، وحل الأحزاب السياسية، وأن تلغى اجازات الصحف، وقٌبلت كل الشروط دون نقصان.
يعتقد الكثير ممن زامن أحداث تلك الفترة أن تلك الإجراءات وذالك الحدث وما تبعه من تداعيات كانت من الأسباب الرئيسة في سقوط النظام الملكي، لا أظن أن من يطلق عليهم اليوم (المستقلون) ويسمونهم بـ (بيضة القبّان) وهم من رشحوا من نتائج انتخابات 10 تشرين 2021، ويدعون أنهم من أعماق حراك تشرين 2019، قادرون على أن يلعبوا الدور الذي ارتعد واهتز منه النظام الملكي برمته في انتخابات حكومة (ارشد العمري) في عام (1954 ) والتي كانت البوابة الاولى لسقوط ذلك النظام، ربما تكون المقارنة صعبة بين حالتين برلمانيتين إحداهما حصلت في عراق العهد الملكي واخرى تجري اليوم وما زلنا نتابع تطوراتها، ولكن في كل الأحوال قد يلعب الظرف التاريخي واصطفاف القوى دورا يجعل للأقليَّة البرلمانيَّة قوة حاسمة في التأثير على المسارات السياسية، وفي حال اليوم يمكن الاستنتاج رغم كل الصعوبات والأزمات أن الصيرورة السياسية تتقدم بشكل يختلف عما جرى سابقا منذ 2003، فالمستقلون اليوم، بصحة تسميتهم او بعدمه، هو نوع سياسي افرزه حراك تظاهرات تشرين 2019 ينبغي الانتباه لتطوراته مستقبلا.