حسن العاني
مفردتان هما الأكثر تداولاً في لغة (الدين والشرع)، وربما بسبب شيوع استعمالهما فقد امتد نفوذهما إلى حياة المواطنين وخطابهم اليومي، سواء من باب المزاح أم من باب الجد، وفي الحالتين فإنهم يستعيرون المعنى الديني بدلالاته ومعناه الحرفي، أما المفردتان فهما (الحلال والحرام)، وحين نزعم بأنهما بلغا من الذيوع وسعة التداول مالم يبلغه غيرهما من المفردات على كثرة وأهمية بعضها مثل (سالفة) الديمقراطية و(حكاية) المواطنين الكرام، و(نكتة) التبادل السلمي للسلطة.. الخ.
لعله من حسن الحظ أن أمامنا من الاستشهادات ما يفوق الحاجة لإثبات هذه الحقيقة، فمنذ عقدين من السنين والحلال والحرام يصول ويجول على كل لسان، ولا أخشى من القول إن لا أفكار ولا أيديولوجيات سياسية كانت أو دينية إلا وبلغها هذا الغزو أو الابتكار العراقي الجميل، وأصف (الحلال والحرام) بالجميل لأنه كذلك حقاً، لكون هذا الابتكار يهدف إلى وضع الأمور في نصابها وإعطاء كل ذي حق حقه وتجنيب الشعب مغبة التعرض للظلم والتهميش، ولكن المؤسف أن حلالنا العراقي وحرامنا بأنواعه يتم على وفق المقاييس التي نريدها وتناسب أحجامنا ولا تتعارض مع أهوائنا وأطماعنا، ومن هنا – وكل ما سيأتي ذكره هو على سبيل المثال – فإن وصول المرأة، أو مجرد أن تفكر برئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو رئاسة البرلمان، هو من الحرام والمحرمات، أما زواج البنت وهي في الصف الثالث الابتدائي فمسألة فيها نظر، وأمر قابل للنقاش ولابأس في (تحليله)، والغناء حرام ومثله الرسم والنحت والموسيقى والرقص والبالية والاختلاط، ومع ذلك لم يصدر عن قادة الإفتاء السياسي تحريم شرعي أو أخلاقي، كما لم تصدر فتوى من أحد مفادها أن من يسرق أموال الشعب لا تحل عليه زوجة، 19 سنة وقد أنجب حلال الفتاوى رحيل أموال العراقيين إلى مترفي رفحاء ولدينا 8 ملايين عراقي تحت خط الفقر، وأنجب بلداً من غير خدمات، وعراقاً تتصدق عليه البلدان المانحة.. حلال صراع الكبار على السلطة.. حلال تنامي البطالة.. حلال تلك الرواتب التي بلغت الزبى ورواتب تركها القطار الصاعد في أماكنها، وحلال.. حلال.. حلال، ومنذ 19 سنة ورايات الحرام حرمتْ بناء مصنع أو تأهيل مصانع جاهزة للعمل، وحرمت زراعة فسيلة أو انشاء سد يقينا العطش، 19 سنة ونحن نستورد حتى قناني الماء وعلب التمر وصناديق (الطماطة) وأكياس الجزر وأسوأ أنواع المركبات، أما التصدير فحرام.. حرام.. حرام ورجس من عمل الشيطان!.