عبدالأميرالمجر
الحرب في اوكرانيا والتمعن في مدخلاتها، يثير الشجون حقا.. فالشعوب تجد نفسها احيانا وقد تورطت في حروب واضطرابات لم تسع إليها، لكن اعتبارات جيوسياسية ومصالح دول كثيرة تتشابك على أرضها في لحظة ما، لتكون مدخلا لحروب وصراعات، عنوانها خلافات داخلية او مع بلد مجاور وعمقها خلافات كبار وتصفية حسابات خارجية.. فلم يدر في خلد الشعب الأفغاني يوما، أنه سيصبح ميدانا لمعركة كونية، ولم يخطر على بال اكبر المتشائمين فيه، أن بلده سيكون بالحال التي وصل اليها اليوم.. ليس الشعب الافغاني وحده من دفع ثمن لعبة دموية لم يقررها هو.. فالشعب اللبناني عاش هذه التجربة المرة، حين جعلته بعض القوى السياسية فيه ميدانا لصراعات إقليمية ودولية، وصار شبابه موزعين بين فصائل متناحرة تدعم كل منها جهة خارجية، لتصبح ساحات بيروت وغيرها ميادين قتال رهيب، لاناقة للشعب اللبناني فيه ولأجمل.. واليوم الكثير من البلدان العربية تعيش صراعات سياسية وحروب أهلية، حولتها إلى ميادين لحروب خارجية، كونها باتت عقدا ستراتيجية اختلق الواقفون وراءها الأسباب لمشكلات استجاب لها البعض في الداخل تحت ضغط الرغبة في السلطة او مبررات عقائدية معينة، لتدخل السموم من خلالها وتأتي على الجسد كله.. من يقرأ تجارب الشعوب سيتوقف عند كوارث مرعبة حصلت في اكثر من بلد، ويحدث هذا عادة في المراحل المفصلية، كبداية الحرب الباردة ونهايتها، حيث الصراعات الدولية والإقليمية التي شهدها العالم مطلع التسعينيات على التركة.
العالم اليوم يعيش مرحلة جديدة بعد أن ودع مخرجات الحرب الباردة، ولا بدَّ من ضحايا، ليرتب كل طرف أوضاعه ومصالحه، اما مصالح الدول (الميادين) ومصائر الشعوب فيها فهي آخر ما يفكر به
المتصارعون.
لا أعرف كيف يفكر الشعب الأوكراني ولا أطرح نفسي متحدثا باسمه، لكني لا أعتقد أنه يفضل هذا الدمار الذي حصل نتيجة للحرب مع روسيا، على مكاسب تراها بعض القوى السياسية فيه ستتحقق له اذا ما اصبحت بلادهم عضوا في الناتو، لكن المؤكد أن عضوية اوكرانيا في هذا الحلف تعني الكثير لقادة هذا الحلف، مثلما تعني الكثير المختلف تماما بالنسبة لروسيا ورغبتها في توسيع مجالها الحيوي ايضا! وهكذا صارت أوكرانيا عقدة ستراتيجية، مثل افغانستان حين عمل السوفييت وحلفاؤهم على تثبيت نظام شيوعي فيها ورفض الأميركان وحلفاؤهم ذلك، لتبدأ هذه البلاد رحلة دموية لم تنته إلى اليوم. الحديث يطول اذا ما استحضرنا نماذج كثيرة أخرى. والسؤال هو؛ كم شعب سيكون الضحية مستقبلا من أجل أن تحقق الدول النافذة مصالحها فيه وعلى حساب حاضرة ومستقبله.. وماضية أيضا؟!.