بلدنا في خطر

آراء 2022/05/24
...

 نجاح العلي
 
قد يظن أغلب القادة السياسيين والمنظرين والقادة الأمنيين أن أهم خطر يواجه الأمن القومي العراقي والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هو خطر التنظيمات الارهابية والمجاميع المسلحة والخارجون عن القانون،  هذا الخطر صحيح وواقعي ولا يمكن إنكاره، لكن هناك خطرا جديدا قد يؤدي الى إرباك الوضع الأمني في بلدنا لا سمح الله ويؤدي الى نزاعات محلية ودولية، الا وهو التغيرات المناخية وأهمها التصحر وانحسار الاراضي الخضراء وانخفاض مناسيب المياه وارتفاع درجات الحرارة بسبب الغازات الدفيئة، التي يطلقها الوقود الاحفوري.
فقد حذر تقرير  استخباراتي هو الاول من نوعه ومكون من 27 صفحة أعدته 28 وكالة استخبارية أميركية مجتمعة، ان التغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الارض والتراجع المتوقع لعوائد الوقود الاحفوري وأهمها النفط والغاز، من شأنها تأجيج التوتر في العالم في السنوات القادمة، خاصة منطقة الشرق الاوسط، وأن هناك (11) دولة أوردها التقرير من بينها العراق  - وهو الدولة العربية الوحيدة التي تم ذكرها في التقرير- سيكون تأمين الطاقة والغذاء والصحة فيها عرضة للخطر جراء التغيرات المناخية، وقد تشهد موجات نزوح او نزاعات وعدم استقرار، اذا لم تتخذ إجراءات وقائيَّة مناسبة.
أمام هذه الحقائق والمعطيات والتحديات، لا بدَّ من وضع خطط ومعالجات آنية ومستقبلية لتلافي خطر التغيرات المناخية، أولها البدء في إيقاف تجريف الأراضي الزراعية والبساتين واستصلاح الاراضي ودعم المزارعين وعدم هدر المياه باستخدام طرق الري الحديثة، وتوقيع اتفاقيات وتفاهمات مع دول المنبع، خاصة الجارتين تركيا وايران للتوزيع العادل للمياه وانشاء السدود والخزانات للاستفادة من مياه الأمطار والفائض من جريان نهري دجلة والفرات في أوقات الوفرة المائية، بما يعرف بموسم حصاد المياه، فضلا عن التحول التدريجي نحو الطاقة المستدامة والمتجددة وبخاصة الطاقة الشمسية الصديقة للبيئة، وتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد الكلي على الصعود المؤقت لأسعار النفط والغاز المهددة بالهبوط بشكل دراماتيكي في السنوات المقبلة، والاستغلال الأمثل للوفورات المالية المتحققة في مشاريع تنموية مستدامة كبرى، عمادها الأساس والمتين هو  الصناعة المحلية، لا سيما المشاريع الزراعيَّة والغذائيَّة والتعبئة والتعليب وتربية المواشي والأسماك والدجاج، بما يحقق الأمن الغذائي المرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن الوطني.
كل هذه الأمور إن تم تحقيقها وفق خطط وبرامج واقعية ومدد زمنية موضوعة بشكل مدروس وبشكل تدريجي ستسهم في تحقيق التنمية المستدامة القائمة على الاستخدام الأمثل والواعي للموارد المتاحة، دون استنزافها او استخدامها بشكل يضر البيئة بما ينعكس سلبا على الاجيال اللاحقة ويهدد حياتهم ومستقبلهم.