ميادة سفر
في كل مرحلة جديدة أو تطور طارئ وربما نهاية لشيء ما، ثمة ضحية حاضرة غالباً ما تتلقى الضربات وتلقى عليها التهم وتحمل وزر كل النتائج السيئة التي يمكن أن تحصل، ومع التطور التكنولوجي الذي أصبح في متناول كل الأفراد تقريباً، وجدت طرق وأساليب جديدة ومستحدثة، سواء لتحسين الحياة وتسهيل سبل العيش والعمل والتواصل، أو لزيادة العنف والقمع والكبت وربما الطعن بالمفاهيم الأخلاقية السائدة.
أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي التي أنجبتها التكنولوجيا فرصاً لأولئك الراسخين في التطرف لمحاصرة المرأة أكثر والتضييق عليها ومنعها من التنفس حتى عبر هذه الوسائل، فلم يكفِ البعض الواقع الذي تعيشه والضغوطات التي تحملها، بل لحقوا بها إلى العالم الافتراضي، يبثون من خلالها تخلفهم وانحطاطهم الفكري والأخلاقي.
ثمة وجه جديد من أوجه العنف الذي انتشر مؤخراً بفضل التكنولوجيا و"بمساعدتها" عبر الترويج لمقاسات جمالية محددة وأساليب عيش باهظة، لا تتناسب مع واقع الكثيرات ممن يتابعون وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تسبب بحالات عنفية وتأثير سلبي في بعض الفتيات، تحول إلى عنف نفسي وجسدي في بعض الحالات، نتيجة عدم وجود توعية من قبل المحيط واعتبار كل ما ينشر صحيح، فتلجأ بعضهن إلى التقليد الأعمى الذي غالباً ما يتسبب بكوارث نفسية وجسدية، من تلك التي تلجأ إلى عمليات التجميل لتشبه النجمة الفلانية، إلى أخرى تستخدم وصفات لتفتيح أو تكبير أو تنسيق لعضو هنا وآخر هناك من جسدها، دون أن تعي الخطورة التي يمكن أن تتعرض لها، في ترويج لأفعال لا يمكن الا اعتبارها أشكالاً جديدة من العنف الذي تُستغل فيه الفتيات، لا سيما صغيرات السن.
من جانب آخر؛ يمكن للمتابع لأغلب وسائل التواصل الاجتماعي ملاحظة نسبة كبيرة من الفتيات ترفض التعريف عن نفسها بصورتها الحقيقة، وأحياناً باسمها الحقيقي، ليس لذلك من مبرر سوى إنه جزء من الموروث الاجتماعي الذي يرعب النساء، ويطالبهن بالتخفي والتغطية، وكأننا ما زلنا نعيش في زمن باب الحارة، حين كان صوت المرأة عورة، وجسدها عورة، وحتى عقلها عورة، حيث تلاحق الفتيات وتكبت حتى في أكثر المواقع التي من المفترض أن تتيح مساحة من الحرية على الأقل للتعبير عن الرأي.ما يحدث من حولنا سواء بعد ازدياد العنف من جهة، أو حتى انتشار من يعتبره البعض تحرراً، ما هو إلا انعكاس وصورة لمرآة المجتمع الذي نعيش فيه، وأكسبنا أفكاراً وحمّلنا قوالب جاهزة، لا بدّ من كسرها وتغييرها لنتمكن من القول إننا ولجنا العالم الجديد بوعي وحرية، ولا يكفي إصدار القوانين التي تنظم التعامل عبر الشبكة أو تجرم بعض الممارسات الالكترونية، لأنها قابلة للخرق بأبسط وسائل، بل نحتاج إلى منظومة اجتماعية متكاملة تؤمن بكينونة المرأة وحقها بالحياة والتفكير والعمل والتعبير عن نفسها بالطرق التي تريدها، فضلاً عن التوعية ومحاولة جذب المشتركين في وسائل التواصل الاجتماعي إلى جوانب أكثر أهمية من الأزياء والمكياج والتحريض الطائفي والدعوات الدينية وتوزيع صكوك الغفران ونسخ مفاتيح للجنة، عبر الدعوة للفكر التنويري، الذي يقي المجتمع من كوارث كثيرة ويحرر كل من المرأة والرجل على حد سواء.