جواد علي كسار
أوقروا في أنفسنا أننا الأضعف لأننا في العراق لسنا أكثر من سوق، على الأقل منذ السقوط عام 2003م، بل منذ عقد الحصار قبله؛ والصحيح أننا سوق لا ننكر ذلك، والإنتاج عندنا معطل أو شبه معطل، لكن من قال أن صاحب السوق ضعيف، أو هو الطرف الأضعف في العلاقة بين المستهلك والمنتج؟!
الصين والهند أكبر سوق للنفط الإيراني، وقد اضطرّت إيران إلى أن تخفض سعر نفطها بين 5ـ 10 % لكي تداري هذا السوق وتحافظ عليه، لاسيّما بعد الحصار الأشدّ عام 2018م، ومع ذلك لعبت بكين ومن ورائها نيودلهي لعبة السوق، عندما تركت النفط الإيراني واتجهت إلى الروسي، الذي أوصل خصومات الأسعار إلى 30 %.
لجأت موسكو إلى لعبة السوق لتخفيف وطأة الحصار، عبر التلاعب بخطوط تصدير النفط والغاز إلى أوروبا، كما فعلت الشيء نفسه في الحبوب والغلات، والإجبار على الدفع بعملتها المحلية الروبل، خاصة وقد تكون الحرب ومن ورائها الحصار، مرشحة لكي تدوم سنوات طويلة. وعلى ذكر الغاز ففي المنطقة تجري الآن لعبة مركبة وغامضة ومعقدة، قوامها صراع الأسواق، بين قطر ومصر والجزائر و«إسرائيل» وإيران، على مستوى الإنتاج، معها تركيا وسوريا والأردن، على مستوى التوزيع وخطوط النقل.
على خط آخر تتحكم إيران بمفاصل مهمة من السوق الأفغانية، لكن طالبان عززت قوّتها بإقحام معادلة المياه في نهر هيرمند (أو هلمند) الشهير بينهما، فأقامت عليه سداً، وألمح رئيسها السابق أشرف غني إلى تعديل شروط بلده بالتلويح إلى تسهيلات الحصول على النفط الإيراني، وعلى النهج نفسه سارت طالبان، مع تحريكها لأوراق خفية هي الدولار والمخدرات والأمن، حتى هددت طهران مؤخراً باللجوء إلى الأمم المتحدة. في إيران أيضاً رُفعت لافتات العزاء استعداداً لإمكان فقدان سوق الغاز والكهرباء في تركيا والعراق، فالغاز الإيراني لا يصدّر إلا لهذين البلدين. وقد كانت المناسبة مجرّد إجراء بسيط من بغداد في الاتفاق مع شركة توتال الفرنسية على استثمار الغاز العراقي في الداخل (المصاحب والمستقل) وتحويله إلى تغذية محطات الكهرباء. أضف إلى ذلك مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.
هذه الأمثلة وعشرات غيرها تكشف أن صاحب السوق ليس هو الطرف الأضعف بالضرورة، إذا استطاع أن يدبّر ويخطط ويناور ويدير السوق لصالحه، وبلد مثل العراق بين يديه سوق يتراوح مداها المالي بين 40 ـ 60 مليار دولار، ليس ضعيفاً، بل يستطيع أن يملي شروطه ويحسن خياراته، لاسيّما مع تركيا وإيران والصين، كما مع البقية، وإن لم نفعل فلسنا نحسن شيئاً من التدبير!.