وحوشٌ بهيئة بشر عندما يسرف الإنسان في القتل

ريبورتاج 2022/05/29
...

   علي غني 
أبكتني امرأة في الثلاثين من العمر أو أكثر بقليل، حينما أخبرتني عن طريق المصادفة أن زوجها قد قتل  أمامها وأمام أولادها في أثناء مشاجرة بسيطة، وأن القاتل المتمرس بالقتل خرج من السجن بعد دفع عشيرته (الفصل العشائري)، ومازال حرا طليقا، فأين العدالة؟.
أعود وأقول، كنا نادرا ما نسمع عن جريمة قتل في المجتمع العراقي، بل نستغرب أشد الاستغراب اذا ما سمعنا بذلك، لكن الغريب في هذه الايام أن نرى مجرماً يمارس القتل الجماعي، فهو لم يكتف بقتل شخصٍ واحدٍ من البشر، وإنما يقتل ثلاثة أو أربعة أشخاصٍ من عائلة واحدة أو من مدينة، هذا الإفراط بالقتل قادني للتحقيق بهذه الظاهرة الشديدة الغرابة عن المجتمع العراقي الذي يتصف بالطيبة، فما تفسيرها الديني والنفسي والعشائري؟، وما حكمها القانوني؟، فتعالوا معنا لنكتشف ذلك.
وحوشٌ بشرية
بيَّن الشيخ ماجد الجبوري المشرف على حوزة الإمام الجواد (عليه السلام) للدراسات الاسلامية أن الله تعالى عندما خلق الإنسان خلقه في بعدين (البعد الأول) هو البعد الجسدي و(البعد الثاني) هو البعد الروحي، والأدلة على ذلك كثيرة في كتاب الله ومنها قوله تعالى في سورة ص في الآيتين  ( 72-71) ((إِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَـئكَةِ إِنِّی خَـٰلِق بَشَرا مِّن طِين (71)  فَإِذَا سَوَّیتُهُ وَنَفَختُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا لَهُ سَـٰجِدِینَ (72) )).
وما أريد أن أشير إليه من خلال هاتين الآيتين الكريمتين هو أن جسد الإنسان كما أنه يتعرض للأمراض، التي قد تكون مزمنة في بعضها وبعضها الآخر يخلف عاهاتٍ جسديَّةً مستديمة، كذلك الروح أيضا تتعرض للأمراض المزمنة والعاهات التي تنعكس سلبا على سلوك الإنسان في تعاطيه مع المجتمع الذي يعيش فيه.
وأنا في الحقيقة لا أريد في هذه العجالة الوقوف على منشأ تلك الأمراض الروحية والنفسية، فذكر لها عدة أسباب منها التربية غير الصحيحة منها أو النشأة في بيئة مجتمعية غير سليمة وما إلى ذلك من الأسباب، ما أريد أن أقوله إن كل تلك الأسباب مما ذكرتها وغيرها تدور بفلك واحد حول قطب واحد وهو ابتعاد الإنسان عن التعاليم الدينية السامية، وفقدانه تدريجيا للمبادئ والقيم الأخلاقية وانغماسه بالرذائل وحبائل الشيطان، فيكون صيداً سهلاً للشيطان، إن لم يكن هو وجه الشيطان المتجسد بصورة إنسان، فيتحول إلى وحشٍ كاسرٍ يستلذ بدماء وأعراض الأبرياء، فيهتك الحرمات ويقتل النفس التي حرم الله قتلها، ولا يتردد حتى بقتل طيور الجنة كما نرى اليوم من قتل أسر بأطفالها ونسائها لأسبابٍ تافهة.
هذا السلوك السادي لا يصدر إلا من مسخ  قد تحول إلى وحشٍ سفّاك للدماء، فهو في حقيقته حيوانٌ ولا يمكن أن يكون إنساناً، فقد تجرّد عن إنسانيته بالكامل، فهو مصداقٌ لقوله تعالى في سورة التكوير الآية ٥ (إذا الوحوش حشرت). فهنا يجمع كثيرٌ من المفسرين أن هذا الحشر لأمثال هؤلاء المسوخ، الذين في واقعهم وحوشٌ وفي ظاهرهم بشرٌ يعيشون بيننا. والإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) يذكر عين المعنى في قوله (الجسم جسم إنسان والقلب قلب حيوان). وأخيرا أقول إن أمثال هؤلاء يجب أن يطبق بهم شرع الله تعالى (القتل قصاص)، فعبر القرآن الكريم بآية صريحة بالقصاص من هؤلاء ستسقيم الحياة، فقال عز وجل (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة.
 
مشاهد العنف
ويذهب الدكتور فالح القريشي وهو باحث تربوي وأستاذ في جامعة الإمام الصادق في كلية الآداب الى تفسير ظاهرة القتل والعنف في المدن العراقيَّة: يعد المجتمع العراقي من المجتمعات المتأزمة والمضطربة سياسيا والكثير من الأزمات والصراعات حول المناصب والمال وكثرة البطالة والظروف الاقتصادية الصعبة والانفتاح الجديد على وسائل التكنولوجيا الحديثة كالانترنت، والألعاب الالكترونية والهواتف النقالة، وفيها من مشاهد العنف والارهاب والإباحية، هذا سبب من أسباب القتل المنتشر في العراق، فضلا عن الدوافع العشائرية والثأرية، الى جانب الدوافع السياسية والمصلحية والخلافات العائلية، والشكوك الأخلاقية داخل البيت، أضف إلى ذلك ضعف الجوانب الأمنية وانتشار السلاح بيد المواطن، لذلك أصبحت الشخصيَّة العراقيَّة تميل إلى العنف لحل مشكلاتها الخاصة.
 
الإعدام
وأضاف (فالح)، لقد وصل عدد جرائم القتل في العراق عام 2020 الى 4  آلاف و700 قتيل، ويعد أعلى نسبة في العالم، وأسبابها تتراوح ما بين سياسية واقتصادية وخلافات اجتماعية وكثرة الضغوطات النفسية، التي يعانيها الفرد العراقي.
وأوضح الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب المحامي ضياء السعدي نقيب المحامين الأسبق وأمين سر اتحاد المحامين العرب، بأن كل قضية قتل جماعي، محكومة بظروف ووقائع كل جريمة، وغالبا ما يستند قاضي التحقيق في مثل هذه الجريمة الى المواد (405)، (406) من قانون العقوبات، التي تتضمن الإعدام أو السجن المؤبد.
 
توقيع بالبراءة
وعرّج السيد عبد الهادي السيد عكلة الموسوي أحد وجهاء ميسان والخبير في شؤون العشائر إلى الضوابط المعمول بها عشائريا الى أن العشائر العراقية تصف الشخص المسرف بالقتل، بأنه كثير المشكلات وسيئ الصيت والسلوك، ارتكب عددا من جرائم السرقة، وكذلك الجرائم اللا أخلاقية، والقتل المتعمد (غير المبرر)، مثلا قتل شخصٍ من دون وجه حق، ولم يرتكب ذنبا، وإنما استهتار، أو تحت تأثير المسكر أو المخدر، مثل هذا النوع من البشر، تقرر العشيرة البراءة منه عشائريا وقانونيا، ويعد دمه مهدورا، ولا يحق لأهله وعشيرته التزامه أمام العشائر الأخرى والقانون، ولا يطالبون (بديته)، واذا قتل هو شخصيا يتحمل وزر جرائمه فقط، مثل هذا الشخص تتبرأ منه عشيرته بتوقيع وليه ورئيس عشيرته وبشهود اثنين من شيوخ العشائر الأخرى، عند ذلك تتخلص العشيرة من تبعات جرائمه، ويكون هو الشخص متحملا الأعباء والنتائج، التي تترتب على أفعاله قانونيا وعشائريا، وأن مثل هذا الشخص عشيرته لا تطالب بدمه.
 
قتال العشائر
ما زال القتلة يمارسون هوايتهم بقتل الأرواح البريئة، فيوميا تخسر عشائرنا لا سيما في الجنوب (العمارة والبصرة والناصرية) مزيدا من الأرواح بالنزاعات، التي تزهق فيها الأرواح لأتفه الأسباب، ويقوم القاتل (الموغل بالقتل) بحصاد الأرواح ويهرب إلى جهات مجهولة، لا تتمكن الحكومة بكل ثقلها من إلقاء القبض عليه، وهكذا يتوالد لدينا العديد من المجرمين المعترفين (المشبعين بالقتل). إن هؤلاء يجب أن نخلص المجتمع منهم، وأن تطبق بحقهم أقسى قوانين العقوبات. 
إن ظاهرة (المجرم الذي يقتل أكثر من إنسان) جديدة عند المجتمع العراقي صاحب القيم الأصيلة، اذا كانت الأموال الحرام وبيوت الفساد وانحلال المجتمع، وأصدقاء السوء وانفلات القانون، وضياع الاخلاق، قد انجبت هذا القاتل، فعلينا أن ننبذهم من المجتمع بتسليمهم إلى الجهات الأمنية، وعدم السماح لهم بالتواجد في أي مكان.
 
رفض الجريمة
الدكتور معتز محيي عبد الحميد مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية  والستراتيجية نوه بأن كل القوانين والأعراف  الاجتماعيَّة، فضلًا عن الإنسانية، (ترفض) الجرائم، أيًا كان نوعها، خصوصًا جرائم القتل، التي تزهق أرواحًا، وقبل ذلك كله ديننا الإسلامي الحنيف، الذي أساسه العدل والتسامح، شدد على رفض ذلك، وتوعد الذين يقدمون على فعل ذلك بعقوبة عظيمة.
وتابع: نحن ضد (السلطة الأبوية)، في إزهاق روح أو تعنيف أو حرمان من تعليم، أو ما شابه ذلك، لكن في الوقت نفسه نحن مع (السلطة الأبوية)، في تأمين حياة كريمة وتعليم وصحة للذكور والإناث، على حد سواء من غير تمييز، حسب الإمكانات المتاحة.
من الأخلاق والمبادئ والعادات والتقاليد التي نشأنا عليها، هي نبذ استغلال جريمة فرديَّة لارتكاب جرمٍ أعظم، يتمثل بالتطاول على أساس بنية الاسرة، التي هي بالأساس أهم ركيزة لبناء المجتمعات.
 
أجنداتٌ مدمّرة
من الفجور وجلد الذات، أن يتم إطلاق وسم (المجتمع الأبوي القاتل). الجميع يؤيد آراء بعض المختصين تُطالب بحماية الفتيات والأولاد من الاضطهاد الأسري، فهذا يعود بإيجابيات على المجتمع ككل، فالظلم بأشكاله مرفوض، وضد فيديوهات وصور مفبركة تضع السم في الجسم، هناك أجنداتٌ مدمّرة تُنفذها منظمات، ميزتها التحريض على حرية غير معقولة وتشجيع الخروج عن ضوابط ديننا الحنيف وثوابت وقيم أخلاقية.
هناك الكثير من جرائم القتل تُرتكب، بدواعٍ كثيرة، فلماذا لم نجد أيَّ اهتمامٍ من قبل الدولة بشأن ذلك؟، الخوف كل الخوف أنه يُراد من تلك الوقفات الوصول إلى نقطة نخسر معها كل شيء.
 
تهريب الأسلحة
وما الاجراءات التي تحد من (القتل المفرط)، فأجابني الدكتور معتز محيي عبد الحميد وهو الباحث المجتهد في الظواهر المجتمعية والأمنية، لقد أقام  المركز الجمهوري للدراسات الستراتيجية العديد من الورش البحثيَّة والندوات والمؤتمرات والمتخصصة لمناقشة ظاهرة العنف وتداعياتها على أفراد المجتمع العراقي (والكلام للدكتور معتز). وتم التأكيد من خلال التوصيات على دور وفاعلية القوانين في الحد من توسع هذه الظاهرة، ومنع انتشار الأسلحة التي تساعد في تصاعد نسب الجريمة، وأهمية التعاون ما بين الأجهزة الأمنية والمواطنين، لتطبيق الإجراءات القانونية اللازمة للحد من انتشار وشيوع الجريمة، خصوصا جرائم المخدرات والمشاجرات، وبيع وتهريب الأسلحة.