انظر للانسداد السياسي من الهليكوبتر وليس من الهمر

آراء 2022/05/29
...

 عمر الناصر 
 
من يريد التقاط صورة تقريبية للتفتت والانقسام الذي شاب المشهدين السياسي والاقتصادي بصورة ذات أبعاد ثلاثية، فليكن بمثابة الهليكوبتر التي ترى الأشياء من الأعلى بوضوح تام على العكس من عربة الهمر، التي ترى فقط ما هو موجود في الجوانب، وعند النظر بميكروسكوب مراقبة الأحداث السياسية فما عليك إلا أن تفكر بكلمتين لتحل شفرة الرموز المبهمة الموجودة امامك «ماذا» و «لماذا»، لأنهما ستغنيانك عن التأويل او الذهاب بعيداً بالواقع والتحليل، و ستجنبانك بعض الشظايا التي ربما تصيب قاعدة البيانات لديك لتتحول ذاكرتك آنذاك لذاكرة سمكة. 
جميع الإشارات تؤكد بأنه سيكون أمامنا صيف سياسي لاهب، وعلى ما يبدو أن هنالك بوادر سخط شعبي يبدأ من ساحة النسور لينتهي بساحة الطيران، وكلا المكانين يندرجان ضمن عوامل الخلافات العقيمة والعميقة، التي شهدنا ما بينهما عواصف شعبية وكلما ذهبنا إلى الحلحلة، كلما رأينا أصابع تحاول أن تضع لها بصمات لزج الشارع والرأي العام إلى معترك ومنعطف خطير ليس للأخير فيه ناقة ولا 
جمل.
أزمة ميزانية لن تقر بسبب الاختلاف الحاصل بين الأطراف السياسية التي تقف بعضها مع قانون الأمن الغذائي والاخرى تقف بالضد منه، وبوادر أزمة غاز عالمية ستقرع جرس الإنذار قريباً لتصل إلى منطقة الشرق الاوسط، كلما اقتربنا من فصل الشتاء، الذي يضرب القارة العجوز، لنجد آنذاك بأن الخارطة السياسية ربما ستأخذ شكلاً هلامياً جديدا من أشكال التجاذبات والانقسامات والولاءات الداخلية والخارجية، تنعكس اثارها بصورة واضحة على شكل النظام السياسي القائم، وبدلاً من أن نجني ثمار نواة التغيير التي تنادي بها القوى السياسية سنضطر ربما أن نشاهدها تنشطر إلى نواة مثلها، وقد يكون التنافر القطبي سيد 
الموقف.
الأطراف الكردية ضمنت لها دستوراً مناسباً لمقاساتها واهدافها المستقبلية بجميع الأحوال، لكن حجم تطلعاتها قد لاقت اليوم رقابه خشنة بسبب ظهور أحزاب كردية فتية، بدأت افكارها تلامس مذاق المواطن الكردستاني، وهذا هو أسوأ وقت يمر به الحزبان الكرديان الحاكمان اللذان بدأ يستشعران بأن هنالك بداية لانكفاء داخلي وربما أفول بدأ يلوح بالأفق، ومن يدقق بالانسداد السياسي سيجد السبب في تأثير الانقسامات الداخلية للكرد الحليف التاريخي للشيعة، ولم يكن ذلك بسبب تحالف السنة الذين بدؤوا يتقنون طريقة مسك خيوط اللعبة السياسية.
لأن بعض الأطراف في البيت السني قد اعلنوها صراحة بأنهم لن يكونوا طرفاً في معادلة الصراع على منصب رئيس الوزراء، والدليل انهم لم يعترضوا على ترشيح اي شخصية لهذا المنصب في السابق، لكونهم تعلموا درساً قاسياً في خطأ عدم مشاركتهم بإدارة الدولة في عام ٢٠٠٥، الذي جعل من ذلك نقطة مفصلية وانعطافة حقيقية للتحول من مبدأ مقاطعة العملية السياسية بدواعي الاحتلال إلى رفع شعار التوازن وتعديل الاختلال، لغرض مواكبة النظام السياسي الجديد والايمان بمبدأ القبول بالرضا بحصصهم من الوزارات، دون اللجوء للمعارضة التي كان لبعضهم آنذاك قدم فيها وقدم اخرى في
 الحكومة.
وهنالك اراء مختلفة بعضها تقول بأن اكثر المتضررين من الانسداد السياسي هم الشيعة ومسؤوليتهم أصبحت اليوم على المحك، بل أصبحوا بين أمرين احلاهما مُرْ، ما بين اختبار حقيقي لاثبات الوجود ودحض الاتهامات الموجهة اليهم بعدم قدرتهم على ادارة الدولة، وما بين أرق وحيرة معالجة الصداع النصفي المزمن لديهم الذي يؤثر في تصحيح المسار السياسي، ناهيك عن صراع كسر الارادات كما يراها الرأي العام، يخشى الجميع من حصول أي احتكاك أو تصادم قد تستغله أطراف خارجية لسحبهم لمساحة تستطيع فيها اللعب على قدح شرارة الفتنة المذهبية لدحرجة كرة النار بإتجاه اقتتال وحرب الاخوة، التي تتمنى بعض الجهات الدولية والاقليمية تحقيق هذا الهدف لا سمح الله. 
واراء اخرى تقول بأن الحكم لم يكن شيعياً فقط، بل اشتركت به ثلاثة مكونات رئيسة، ففي أوقات الفشل والاخفاقات تجد جهات سياسية تسعى لأن يحسب ذلك على الشيعة فقط، وفي النجاحات وتحقيق المنجزات تجد ذات الجهات تنادي بتجيير ذلك لجميع المكونات والحقيقة ليست كما في المثالين أعلاه على الاطلاق، انما الخلل يقع في تأرجح النسبة المئوية لتصدير واستقبال وتأثير الازمات وانعدام الارادة السياسية، وكأنها اصبحت تندرج ضمن قائمة العرف 
السياسي.
لذا بإمكاني القول بأن الوضع الصحي للتحالفات بصوره عامة يمر بوكعة صحية قد تدخله لغرفة الانعاش، في وقت أصبح تأثيرهم في الشارع محدودا أو ضعيفا، وبدأ البعض منهم يبحثون عن انغماس سياسي جديد، ولكن هذه المرة داخل القوى المدنية في محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه من بقاياً مكاسب انتخابية لاعادة ثقة الشارع بهم مجددا، دون اللجوء لاستيراد أيديولوجيات بألوان جديدة تعمق الشرخ وتزيد التصدع الحاصل بين أمراء الطوائف، الذين يؤمنون بمقولة «انا وليكن من بعدي الطوفان «
انتهى..
خارج النص/ مرحلة الأفول الأيديولوجي والانكفاء السياسي بانت طلاؤها لوحا في الافق.