فلافل بلا حدود

الصفحة الاخيرة 2022/05/30
...

عبد الهادي مهودر
قبل يومين فقط قلبنا نحن العراقيين صفة واسم الفساد إلى (فلافل) على خطى أجدادنا العرب الأوائل الذين يقلبون الصفات والأسماء لاعتبارات عديدة، وليت كل الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية تمضي قدماً في مكافحة الفساد سواء باسمه المعروف أو تقلب اسمه الشهير إلى اسمه المبتكر مادام الهدف واحداً، لأن (فلافل) موجود في كل مكان وظاهرة بلا حدود وغير محصورة بوزارة ودائرة دون غيرها، وكل ما نحتاج إليه هو تجنب التصريح بالاسم الصريح وخدش مشاعره الجياشة قبل أن تثبت إدانته بعد خراب مالطا، وقد كان أجدادنا العرب مهذبين إلى درجة كبيرة أو دبلوماسيين، بوصفنا المعاصر، في إطلاق الأسماء والصفات، فيقلبون صفة الأعمى ويسمونه البصير، ويسمون الأعور كريم العين والملدوغ سليماً والمريض معافى والمقبرة روضة، ويطلقون على الجميلات أسماء قبيحة دفعاً للحسد، وهكذا تجد في تاريخنا الزاهر الكثير من (المقلوبات) حتى يساورك الشك بالكرماء والبخلاء والشجعان والجبناء فربما وصلنا التاريخ مقلوباً هو الآخر بينما نحن نتخاصم ونتغنى بفرسان لم يركبوا فرساً ولم يحملوا سيفاً في حياتهم وكانوا (مامش بمامش)  كما يقول الراحل مظفر النواب، والله أعلم بمفاجآتنا التاريخية، كما تأثر العرب الأوائل بالبيئة الفقيرة المحيطة بهم من أرض وسماء وصخور وحيوانات ومأكولات، فسموا أبناءهم صخراً  وجحشاً وحماراً وكلباً وكليباً، إلى آخر الأسماء والألقاب والصفات الغريبة التي كتب عن أسباب اختيارها المؤرخون والمفسرون القدماء والمعاصرون، وبعضها أسماء تطلق عن طريق الصدفة حين يهيم المبشّر بمولود في الصحراء، فيسمع عواء ذئب فيسميه ذئباً أو نمراً وما هو بذئب ولا نمر وليس له من اسمه حظ ولا نصيب، وكم من الأشخاص الذين يحملون أسماء الوحوش الضارية وتراهم في الهزيمة كالغزال والعكس يصح أيضا، وقد سُئل أحد فصحاء ذلك الزمان (ما بال العرب تسمي أبناءَها بالأسماء المستشنعة وتسمي عبيدها بالأسماء المستحسنة؟ فقال: لأنها سمّت أبناءها لأعدائها، وسمّت عبيدها لأنفسها)، ووفقاً لهذا التفسير البديع لأجدادنا العظام ووفقاً لبيئتنا التي تحيط بها المطاعم الفاخرة والأكلات الشعبية الفقيرة فقد أحسنت إحدى وزاراتنا العريقة في تسمية الفاسد الذي دمر، حسب قولها، بناها التحتية والفوقية باسم (فلافل) وليس باسمه الصريح الذي قد يكون محسناً أو صالحاً أو فالحاً أو منقذاً أو عفيفاً أو شريفاً، فخيرات الدنيا وما لذ وطاب من مأكل ومشرب و(منيو) المطاعم والأكلات الدسمة لنا ولأبنائنا، أما الفلافل فللعدو الغاشم، ومن شابه أجداده فما ظَلم.