الحزامان: الأخضر والأمان

آراء 2022/05/31
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
مثل وحشين مفترسين خرجا من أعماق الصحارى والغابات البعيدة، انقضّا علينا، ففتكا بنا إيما فتك، خنقا، وافتراسا ودهسا!!.. المشهد يذكرني بأغنية «افتح ياسمسم» الجميلة «مابين وبين.. أنا بين وحشين حبسوا خطواتي من ناحيتين، فتنساب دموعي بين الخدين.. أتراني أين.. أنا بين 
الوحشين».
نعم، لقد أصبحنا نحن العراقيين، بين وحشين مفترسين، الأول قادم من الخارج، مثل تنين ينفخ علينا نارا محرقة، والآخر، ربما نشأ بيننا، حتى اذا ما اشتد عوده، كشّر عن أنيابه، وراح يفترسنا الواحد تلو الآخر.
الوحش الأول، حملته الريح إلينا، وهو المتمثل بالعواصف الترابية، التي ضربت أجواءنا من دون رحمة، عواصف غير مسبوقة، من حيث كثافة الغبار ونوعيته، ففي ليلة واحدة، ألقت الريح على بغداد لوحدها مئات الأطنان من الأتربة والرمال والكثبان، فغصّت المشافي بالمختنقين، والمصابين بالأزمات التنفسية، وهدرنا كميات كبيرة من المياه في غسل البيوت والحدائق والسيارات، في ظل شح مائي واضح، ويحذّر المتنبئون الجويّون، من أن العراق، سيبقى عرضة لمثل هذه العواصف، لفترات زمنية غير قصيرة، متأثرا بالتغيرات المناخية، التي يشهدها العالم، الناتجة عن تراجع معدلات المياه واتساع رقعة التصحر، وارتفاع درجات 
الحرارة.
اما الوحش الثاني الذي ربيناه فينا وليدا، فهو يتمظهر بالحوادث المرورية المرعبة، التي باتت تمثل باباً من أبواب الموت المجاني، حاصدا مئات الأرواح سنويا، فضلا عما يسببه من خسائر مادية، ومشكلات اجتماعيَّة معقدة.
وقطعا أن هذين الوحشين سيزدادن ضراوة، ما لم نقم بتحصين أنفسنا بوجهيهما.
والحل، في الحزامين، الحزام الأخضر، لمواجهة وحش العواصف، وحزام الأمان، لتقليل الوفيات الناتجة عن حوادث السيارات.
الأول يتطلب جهودا كبيرة تقوم بها الدولة بجميع فعالياتها، الحكومية، والاجتماعية، والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، لأن الأمر يستدعي خططا وتخصيصات مالية، وبرامج وسياسات تسهم في الإسراع بتنفيذه، فالأمر خطير ولا يستهان به، وأي تماهل فيه، يعني أننا سنكون امام تداعيات خطيرة وخطيرة
جدا.
أما حزام الإمان في السيارات، فهذا قصته قصة حزينة، فعلى الرغم من قيام شركات صناعة السيارات بأنفاق أموال ليست بالقليلة، لتأمين متطلبات السلامة فيها، وفي مقدمتها حزام الأمان، إلا أننا ما زلنا نتعامل مع هذا الحزام بلا إبالية مطلقة، ونحن نعلم يقيناً، أن ارتداءه يقينا الموت، وحسنا فعل أهل المرور مؤخرا، عندنا فعّلوا اجراءاتهم بشأن لبس الحزام عند قيادة السيارة، واعتبار ذلك متطلباً أساسياً من متطلبات السياقة، وفرضوا غراماتٍ مالية بحق المخالفين، وهنا أيضا نحن بحاجة إلى تضافر الكثير من الجهود، لتوعية الناس بأهمية وضرورة حزام الامان، وللاعلام دور محوري في إشاعة هذه الثقافة، فضلا عن باقي الفعاليات 
الأخرى.
البسوا حزام الأمان رجاءً، ليقيكم الموت، والغرامة البالغة 50 ألف دينار.