شُبان المدينة

الصفحة الاخيرة 2022/05/31
...

 بغداد: نوارة محمد
 
حين أصبحا وحدهما، قبالة نهر دجلة ليشاهدا منظر غروب الشمس تريث مرتضى قليلاً قبل أن يجلس، وصرخ "اللعنة" وهو يخلع قبعته (النايك) قائلاً "هذا منظر الواحد يجلس أمامه" لكن هنادي بفستانها الأزرق الفاتح أرخت جفنيها وانطبقت بكسل عجيب رموش عينيها فقد اعتادت على منظر أكوام القمامة وهي تحيط الأنهار. 
كان هذا اللقاء مخططاً له منذ عامين، مرتضى وبعد عودته من كندا، يصل بغداد ليطلب يد حبيبته هنادي، إلا أن الدهشة التي أصابته أفسدت مُتعة هذه اللحظة. 
لكن هنادي زّمت عينيها وكأن شيئاً ما يزعجهما مدركة أن العائدين إلى أرض الوطن ليست لديهم تصورات واضحة عما حدث في الأزقة وبناياتها، وما فعله ضجيج عربات "الكيا والكوستر والتُك تك" في الشوارع. 
ليس لديهم أدنى فكرة عن عشوائيات الأبنية التي ترتفع هياكلها وهي تقسم البيوت، ولا عن المحال التجارية ومحجرات الحديد التي تشير لتجاوز أصحابها، هل تخيلوا منظر الأسلاك الكهربائية الشائكة حول الأعمدة قبل العودة! كما أضافت: "ليتها تنتهي عند أكوام القمامة".  
جلس على الأرض بشعر مربوط على شكل ذيل حصان وراح يحملق في النهر بكل جدية واهتمام، ثم أطلق ما يشبه التنهيدة، ولم يكن ما يمكنه رؤيته سوى منظر رث يحيط النهر، بائس كما لو أنه من الأمكنة التي لم يشملها الرب في رحمته ولا عمال النظافة بجدول أعمالهم الصباحية. 
دقائق مرت من دون أن ينبس ببنت شفة لكنه كان يفكر بصوت مسموع، وهو يتساءل "هل يمكن أن نستعين بمنصات التواصل الاجتماعي لإنقاذ المكان؟". 
وقبل أن ينتبه كان حلمه قد وصل سريعاً، بعد أن روج لحملته التي أطلق عليها لاحقاً "سفراء النظافة" على صفحاته في "فيس بوك وانستغرام" بمساعدة بعض مشاهير ورواد العالم الافتراضي. 
بدأت هذه الحملة أولى خطواتها على نهر دجلة، وصولاً لشارع البنك المركزي ببغداد، ثم الأعظمية، انتهاء بمنطقة القادسية. 
الرحلة مستمرة مساء كل يوم جمعة، وأعداد الفتية والفتيات بتزايد ووصلت مؤخراً إلى ما لا يقل عن "800" شاب فتي من أبناء المناطق المحيطة بنهر دجلة. 
خُيل لهنادي التي تبسّم ثغرها من دون أن تنفرج شفتاها، وهي تشاهد المشروع يتسع بينما طلبات الانضمام له في تزايد مستمر، بأن الأمر لن ينتهي عند أكوام القمامة، إذ سرعان ما أدركت إنه الحُب ربما يصنع البدايات.