ميادة سفر
في سعيها لنيل استقلالها وحريتها نسيت أغلب الدول العربية تغيير القوانين التي فرضتها سلطات المستعمر، حيث ورثت عنه كثيراً من النظم والقوانين مع ما فيها من ثغرات ومشكلات وجوانب بعيدة عن روحية المجتمع الذي نعيش فيه، لتبقى لسنوات وبعضها مازال حتى اليوم يطبق الشرائع العثمانية والقوانين الفرنسية والإنكليزية
لم يقف الأمر عند القوانين بل تعداه إلى طرق وأشكال ممارسة السلطة والحفاظ على المناصب، فلم تتمكن أو لم ترد أن تخرج من عباءة الآخر وبقيت خاضعة له وتأتمر بأوامره، وتنفذ توصياته وأيضاً تخوض حروبه وتموت لأجله.
تستمد أغلب السلطات الحاكمة في بلادنا هذه الأيام قوتها وجبروتها من الدعم الذي تتلقاها من الخارج، إذ ليس صحيحاً ما يدوّن في الدساتير من أن الشعب هو مصدر السلطات، لأن التجارب التي خاضتها كثير من الشعوب العربية أثبتت أنه لم يكن يوماً “إلا ما ندر” قادراً على فرض إرادته وقول كلمته وإحداث التغيير الذي يرجوه ويطمح إليه، فما يجري من تغييرات نادراً ما كان يراعي مصالح البلاد وأبنائها، بقدر ما كانت المصالح الشخصية لأشخاص السلطة هي الهدف، وهي المتحكمة بكل ما ينفذ من مشاريع ويسن من قوانين، وما على الشعوب إلا القبول بما يقدم لها من فتات.
تقتات أغلب الشعوب في البلاد العربية على وعود يدلي بها أفراد راغبون في تسلق سلم السلطة، وآمال يرجونها ليتمكنوا من إكمال حياتهم، سرعان ما تتلاشى ولا يبقى منها إلا تسجيلات صوتية وفيديوهات من حملات انتخابية يحفظها أرشيف التلفزيون أو الراديو أو حالياً بعض المواقع الالكترونية، والمصيبة الكبرى أنّ تلك الشعوب لم ولا تتعلم من أخطائها وتعود في كل مرة لتجلس الأشخاص نفسهم وبالمواصفات نفسها على كراسي السلطة، على الرغم أنهم لم يحققوا من وعودهم إلا القليل.
في ظل غياب شبه كامل للديمقراطية، على الرغم من وجود مؤسسات هدفها ممارسة الديمقراطية ومحاسبة المقصرين والفاسدين وآكلي لحوم الشعب، إلا أنها لا تعدو كونها ديكورات تجميلية لأنظمة الحكم التي أبقت أغلبها على أساليب القوى التي حكمتها، دون أن تلاحظ أنّ تلك الدول غيرت كثيراً من قوانينها وأنظمتها، وأتاحت شيئاً من رفاهية العيش لمواطنيها، وكثيراً من حرية الرأي والتعبير والنقد لأي عمل من شأنه الإخلال بأمان واستقرار بلادهم، بينما بقيت بلادنا تحت خط الحرية والديمقراطية، تحكمها أصولية سياسية ودينية واجتماعية.
لا مخرج لهذه الشعوب والبلاد إلا بزيادة منسوب الوعي والإدراك لديها، والتعلم من تجاربها التي عمرها عشرات السنين ومن المفترض أنها نضحت بما يكفي لتستفيد من الأحداث والحوادث التي مرت بها، إن ما قيل آنفاً لا يعدو كونه محاولة قد تبدو بائسة لإيقاظ ما تبقى من فكر، لعله تمكن يوماً من تحرير نفسه، والانعتاق من كل القيود الفكرية والعقائدية والسياسية والاجتماعية التي تكبله، عندها فقط يمكن أن يبزغ أمل ما وضوء في نفق مظلم، ونتمكن من صنع مستقبلنا بدلا من استيراده أو وراثته من الآخرين، مستقبل يحاكي تطلعات الشعوب
وآمالها.