العنف يضربُ رأس السلام

آراء 2022/06/01
...

 علي حسين عبيد
 
للخير رموزه، وللشرّ رموزه أيضا، ومن رموز الخير والسلام الحَمَام ومفردهِ الحمامة، وكثيرا ما أشارت منظمات السلام والساسة والأدباء إلى الحمامة على أنها رمز للسلام، وهي كذلك فعلا، لأنها تتميز بكونها مسالمة لا تؤذي كائنا، سواء كان حيوانا أو إنسانا، ونتيجة لهذا الطبع المسالم رُمِزَ من خلالها للأمن والخير والسلام. في مشهد تصويريّ عابر أو عادي قام أحد طلبة الجامعات الأهلية بقطع رأس حمامة في حرم جامعته، ولم يكتفِ بذلك بل قام بتصوير (الجريمة) وبثَّها على الملأ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مفتخِرا بفعلتهِ هذه، وكأنه قتل وحشا فتّاكا، وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن تصويره سوف يمر مرور الكرام، إلا أنه أثار زوبعة من السخط بين الناس، ليس بين العراقيين وحدهم، بل بين جميع الأقوام والناس الذين شاهدوا فيديو قطع رأس 
الحمامة.
الفاعل طالب جامعي، من المفترَض أن يكون ناضجا في أفكاره، وفي إنسانيته، ويفكر آلاف المرات قبل أن يفعل ما فعل، ومن الغريب حقا هذا الإصرار على (السادية) وإشهارها على الجميع، وقد ظهر الفاعل في إحدى القنوات الفضائية العالمية ليعلن عن اعتذاره وأسفه على ما قام به، لكنه لم يكتف بالاعتذار، بل حاول تبرير فعلته بأن الحمامة مريضة وأنه من باب الرحمة بها قطع رقبتها بيديه حتى يخلّصها من عذابها.  هناك مثل شعبي يقول (العذر أقبح من الفعل)، وهو ينطبق تماما على اعتذار الطالب الجامعي عمّا قام به من فعل مخالف لأبسط القيم والمشاعر الإنسانية، ولو افترضنا أنه كان صادقا في إقدامه على قطع رأس الحمامة لكي يخلصها من عذاب المرض، فما الذي دفعه لكي يصوّر مشهد (الجريمة)، هل هناك مبرِّر مقبول ومعقول لتصوير المشهد، ثم عرضه على مواقع التواصل الاجتماعي، ما هو الغرض من ذلك،هل كان يريد من وراء بث الفيديو أن يقتدي به الآخرون من الشباب، لكي يخلصوا الكائنات من عذابها بقتلها؟.
إننا نعيش في عالم غير مفهوم كما يبدو، فأما أننا نضخّم الأمور ونعطيها أكبر من حجمها، وأما أن قتل رموز السلام المختلفة بات أمرا طبيعيا، بل قتل السلام نفسه صار من الأفعال اليومية التي يشارك فيها حتى المتنورون الدارسون ومنهم الطالب الجامعي القائم بالفعل.
وهنا لا بدَّ من وقفة عند هذه الحادثة التي تبدو بسيطة، الحقيقة يجب أن لا تمرّ مرور الكرام وكأنها فعل عادي وبسيط، لا بد من البحث عن جذور ما حدث، لماذا أقدم الفاعل على هذه الفعلة، ما هي الدوافع الاجتماعية والأخلاقية والنفسية التي دفعته إلى ذلك، فهل هو يعيش في بيئة مشجّعة على القتل والعنف والتدمير؟
الإجابة عن ذلك من وجهة نظر شخصية، أن الدافع الأول لارتكاب مثل هذه الأفعال المهشِّمة للسلام، هو البيئة الاجتماعية والفكرية والسياسية التي يعيش فيها الفاعل، بمعنى أدقّ لو أنه يعيش في حاضنة خالية من العنف ورافضة له، لما أقدم على ما فعله، ولو أنه تربّى في بيئة اجتماعية مسالمة لا يمكن أن يعلن فعلته على 
الملأ.
هذه إشارة عنيفة تشبه زلّة اللسان التي تفضح النيّات الحقيقية للقائل والفاعل، ولو أن الطالب عرف مسبقا بحجم الاعتراض عليه والاستياء منه بسبب قطعه لرأس الحمامة، لما نشر الفيديو وكأنه يتفاخر بفعلته المؤلمة الخارجة عن السياقات الإنسانية، إنها بالفعل إشارة على أننا ننحدر نحو (قطع رأس السلام).