أطباء ومهندسون يحيون التراث وينتجون فناً رصيناً

ريبورتاج 2022/06/01
...

 فجرمحمد
أن تختار تخصصك العلمي وتكمل دراساتك العليا فيه، هذا يعني أنك وجدت ما تبحث عنه وتحبه في الوقت ذاته، ولكن عندما يجتمع التخصص العلمي الدقيق مع موهبة الموسيقى وحب الفن، فربما ستجده مستغربا قليلا.
"سنبني البلاد سلاما وحب ونشر العلوم فنون وطب، سيمحو شبابك ظلم السنين وينتهي فيك العصر الحزين".
 
كان يدندن وهو ماسك آلة العود، الطبيب لهيب البيطار الذي يدرس الماجستير في هذا التخصص العلمي، وبين بحوثه ودراساته والنماذج الطبية، التي يعمل عليها في دراسته الاكاديمية، لا يتوقف البيطار عن إنتاج الألحان وكتابة الاغاني.  
فالبيطار مولع بالموسيقى منذ صغره، على الرغم من تفوقه الدراسي والتحاقه بتخصص علمي حيوي ومهم، إلا أنه يجد متعته وسلامه النفسي عندما يمسك بالعود.
وهو ليس الوحيد الذي يجد في الموسيقى محطته المفضلة، بل يشاطره بذلك الطبيب الصيدلاني والمطرب احمد الاسطى، ومعهم مهندس البرامجيات لبيب عبد الحسين فضلا عن أطباء وصيادلة آخرين.
 
فنٌ هادفٌ
 "كولولها القداح باكوا ضحكته بحلقة وعرس، وتلولحت روح النجوم الماتت بخد الشمس، رديت واجدامي تخط زغران حلمي ال جنت اشبره بطولها، كولولها هدوم الزفاف تلوكلج واني لايكلي الحزن، بيا حال الم روحي واجي وانه استوني دافنلي وطن".
عندما تبحث في موقع اليوتيوب فستجد هذه الاغنية وبمشاهدات كبيرة جدا، ومن يؤديها وبإحساس عالٍ طبيب صيدلاني ومطرب هو الدكتور أحمد الاسطى، فهو ورفاقه من أطباء ومهندسين وتخصصات علمية اخرى اختاروا تقديم فن هادف وأغانٍ تحمل عبق الماضي وتتلون بالطابع العصري، فالأسطى يقول إنه "اختار بجانب تخصصه بمجال العقاقير والأدوية الطبيّة أن يطلق موهبته الفنية"، كما أنه أدى أغانيَ مختلفة وذات طابع حديث، لكنها في الوقت ذاته تحمل عبق الماضي والتراث الجميل، ويعيد الأسطى وزملاؤه اداء العديد من الاغاني التراثية، فضلا عن أغانٍ حديثة كتبت بأيدي شباب فنانين، من أجل إيصالها إلى دول العالم المختلفة بصورة حضارية ولائقة في الوقت ذاته.
 
أغانٍ وألحان
على صوت دندنته على آلة العود، وألحانه المتعددة يجد الدكتور لهيب البيطار متعته الحقيقة، فهو يرى ان الموسيقى وسيلته المثلى للتعبير عن ذاته، وفي الوقت نفسه يحاول دائما أن يكتسب المهارات العلمية في مجال تخصصه المهم، كونه يرتبط بالصحة العامة لأفراد المجتمع، وعن هذه التجربة يقول البيطار: "كنت أبحث دائما عن ذاتي في الفن والنوتات الموسيقية، وفي الوقت ذاته أحب تخصصي العلمي وأود أن أتطور أكثر"، وللبيطار أغانٍ كثيرة عرضت على قنوات التلفزيون ومواقع التوصل الاجتماعي.
ويجد البيطار ان انتشار الفن الهابط في الآونة الاخيرة كان بسبب الظروف الاقتصادية العصيبة، فضلا عن الحروب التي قد تدفع الانسان إلى ارتكاب الكثير من الأخطاء دون دراية منه، ولكنه وزملاءه اختاروا أن يوصلوا فناً هادفا وموسيقى ترتقي بذائقة المجتمع.
 
الهندسة والموسيقى
من يدرس تخصص البرمجيات يدرك تماما ماذا يعني هذا، فهو يعد روح الكومبيوتر اذ يجري الحسابات ويخزن البيانات، وبالتأكيد لن يجد وقتا كافيا لمهنة اخرى او اهتماما مختلفا، ولكن مهندس البرامجيات لبيب عبد الحسين استطاع ان يوفق بين دراسته الاكاديمية وموهبته الموسيقية، فبعد تخرجه من هندسة البرامجيات بكلية الرافدين وجد طريق الفن وأظهر موهبة كبيرة به.
ويقول المهندس لبيب: "بالرغم من تخصصي الهندسي الدقيق، الا أنني اخترت طريق الموسيقى وتوزيع الاغاني، وبالفعل تعاونت مع المطربة السورية نجمة ذا فويس هالة القصير، فضلا عن اسماء فنية اخرى، وهناك أعمال قادمة ايضا".
ويعتقد عبد الحسين أن وجود مؤسسات أكاديمية رصينة ترعى الشباب الفنانين، كفيلة بأن ترسخ لثقافة فنية ترتقي بتاريخ الفن والأغنية العراقية، خصوصا السبعينية.
 
أغاني النصر
اشترك الدكتور لهيب البيطار بالعديد من الأغاني، ومنها تلك التي تغنت بالنصر على داعش والتخلص منهم، وله وزملاؤه ألحان وأعمال فنية اشتركت بالأفلام القصيرة والموسيقى التصويرية، ويقول البيطار: "كانت لي مشاركة في أغاني النصر على داعش، فضلا عن اعمال فنية اخرى ومشاركات في بيت العود للعازف المعروف نصير شمة".
 
جهد ذاتي
الأسطى ورفاقه البيطار وعبد الحسين ينتجون أغانيهم بنفسهم، ويقومون بتسجيلها في استوديوهات متواضعة من أجل إيصال فنهم الرصين إلى العالم، وبصحبتهم فرقة وتر التي تضم هي الأخرى أطباء وصيادلة.
وهم يبحثون عمن يدعم موهبتهم، التي عززوها بدراسة الموسيقى بشكل أكاديمي وانضموا لورش فنية، من أجل صقل الموهبة وإبراز أصواتهم وألحانهم المميزة، ويشار إلى أن هؤلاء الموسيقيين قد اشتركوا بفعاليات اكسبو دبي، وكان لهم حضور لافت وواضح، علما انهم لم يتخذوا الفن والموسيقى كمصدر مادي، بل غايتهم الارتقاء بالفن العراقي والذائقة المجتمعية.