رواد الأعمال وبرامج الشباب

آراء 2022/06/02
...

 نرمين المفتي
تابعت وثائقيَّة لفضائية غير عربية على.. ملياديرات الهند الشباب وتوقفت عند اثنين منهم، الأول اسمه ربتاش ارغوال وعمره 25 سنة، ينتمي إلى عائلة فقيرة جدا كانت تسكن في حي هو الأفقر في العالم، استنادا الى الوثائقية.  
في الابتدائية وحين سأل المعلم تلاميذ صفه عما يحلمون به ليكونوا في المستقبل، كانت الاجابات نمطية، إنما جواب ارغوال كان "سأكون رائد أعمال".. وفعلا ترك الدراسة وهو في الثامنة عشرة، واستأجر شقة وأصبح يعمل منظفا للحمامات في الفنادق، ولم يعجبه العمل واصبح لا يملك سوى نصف دولار وطرده صاحب الشقة، وفي يوم ذهب إلى صاحب فندق يعاني من الإفلاس واتفق معه أن يجعل فندقه الأحسن في بومباي، وفعلا بأفكار بسيطة، وبالفعل أصبح الفندق الأفضل، وبعد أن طور خمسمئة فندق جمع اول مليون دولار، وهو في العشرين وفي الخامسة والعشرين، أصبح ملياديرا ومالكا لثلاثة وأربعين ألف فندق حول العالم، ليصبح الثاني في العالم بامتلاك سلسلة 
فنادق. 
والثاني هو ايفان لوثرا في الثانية والعشرين من عمره، وينتمي لعائلة ثرية، لكنه لم يعتمد على أموال والده، إنما قرر أن يدخل مجال العمل، وابتكر اول تطبيق عن المطاعم قبل أن يبلغ العشرين ووضع فترة زمنية، ليربح في اليوم مليون دولار، بعد أن ربح مئة الف دولار في الشهور الاولى لتطبيقه، وهكذا بدأ يبتكر تطبيقات، ويطور اخرى وجمع اول مليار وهو في هذا 
العمر.
أين شباب العراق من ريادة الأعمال؟ في تقارير الأمم المتحدة غالبا وتقارير صحفية عراقية قليلة وفضائيات غير عراقية غالبا قرأت، وشاهدت عن عراقيين وعراقيات شباب بدؤوا، بتنفيذ افكارهم لمساعدة منظمات دولية، قصص نجاح يشار اليها بالبنان وغالبيتهم ينتمون الى أسر غير ثرية و(الأغنى)، بينهم شابة بدأت بأربعمئة دولار فقط، وأسست مطعما صغيرا للأكلات الكورية، ومن ثم بدأت توسع مطعمها، وشابة اخرى، مهندسة كيمياوية، 
لم تتوقف بسبب عدم التعيين وبدأت بتصنيع صابون طبيعي وتجربه، وفتحت صفحة على الفيسبوك وبدأت تسوق منتجاتها من أنواع الصابون الطبيعي والآن اسمها أصبح ماركة.. وهناك شباب من مختلف المحافظات نجحوا في الصناعات البسيطة والتجارة وابتكار التطبيقات أو تطوير الموجود.. وفي احتفال قبل ثلاث سنوات، شاهدت عشرة مشاريع فازت في مسابقة لريادة الاعمال، وكانت افكار الفائزين ممتازة، من بينها حاويات نفايات ذكية تفيد في التدوير والمحافظة على نظافة المدن، وأخرى لتكثير النخيل والاهتمام بها وأفكار اخرى، لم ألمس أن جهة ما قد استفادت منها، رغم أن فكرة الحاويات الذكية كانت ستساعد أمانة بغداد وبلديات المحافظات جدا سواء في النظافة او في موارد مالية 
إضافية.
لدينا شباب نجحوا ولم يبحثوا عن البطالة المقنعة التي اسمها التعيين في الدوائر والمؤسسات الحكومية. صحيح أنهم ليسوا مثل الهنديين اللذين اشرت اليهما، اي لم يحققوا ملايين الدولارات، فالفرص في العراق، شئنا او ابينا، قليلة بسبب الفوضى وعدم وضوح الرؤية، فضلا عن عدم الاهتمام بهم، لكنني اجزم بأن تسليط الضوء عليهم  في وسائل الاعلام العراقية ستكون خطوة امام الاخرين، لان المشاهدين الشباب سيتعرفون على البرامج، التي تنفذها سواء منظمات عراقيّة أو دوليَّة لتطوير المهارات من افكار وتسويق، فضلا عن أن هناك منظمات توفر مبلغا للبدء كمنحة أو قرض.. هنا لا بد من الاشارة الى برنامج القروض الصغيرة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، التي توفر رأسمالا معقولا للبدء بمشروع صغير او متوسط، وكذلك الى الدورات وورش العمل التي تنظمها هذه الوزارة للتدريب على مهن مثل الحلاقة والميكانيك والكهرباء والالكترون، وغيرها للشباب والشابات، وقطعا تفيد من يريد ان يعمل وينجح من جهة، ومن اخرى تساعد في تنمية القطاع 
الخاص.
وإن كانت الفرص كما أسلفت قليلة، لكن من يريد أن يعمل وينجح سيجد فرصته باهتمام من الاعلام والجهات المختصة.. في العراق، حوالي تسعة ملايين شاب وشابة، وهم ثروة البلد الحقيقية بحاجة إلى برامج تحثهم على الابتكار  وليس الوقوف أمام الوزارات، وفي الشوارع للمطالبة في التعيين واعطائهم وعودا قد لا تتحقق، خاصة أن دوائر الدولة تعاني من التضخم.. الشباب بحاجة الى من يمسك بايديهم وهم قطعا لن يقصروا.