حسن العاني
بغض النظر عن موقع هذا البلد أو ذاك، وفي أية قارة، وما هي أكلته المفضلة، وماهي تسريحة نسوانه، وبغض النظر عن هوية نظامه، هل هو دكتاتوري، ديمقراطي، أم دكتاتوري بقبعة ديمقراطية، وبغض النظر عن مستواه المعاشي والثقافي.. الخ، لا يوجد شعب في العالم
من القطب إلى القطب، إلا ويتميز بظاهرة ينفرد بها، ويحرص على الاحتفاء بها، لكونها تمثل جزءاً حيوياً من تقاليده التي يعتز بها، وتمثل بالنسبة له – في بعض الأحيان – تراثاً وطنياً، مع إن بعض تلك الظواهر أو السلوكيات لا تخلو من سذاجة أو تخلف أو غرابة، في حين يعبر
بعضها الآخر عن وعي يقدم نفسه عبر الايحاءات والرموز.. وهكذا يهرول الرجال في اسبانيا مثلاً أمام الثيران الهائجة في الشوارع، وفي بعض البلدان هناك احتفال
فولكلوري شديد الغرابة، يأخذ مشهد العراك بأسلوب المزاح، وأسلحة العراك هي الطماطم، بحيث يغرق الواحد بعصيرها وهو غارق في الضحك، أما في كردستان العراق فتجري احتفالات نوروز سنوياً بإشعال الإطارات عادة في المناطق المرتفعة والجبلية، وذلك في إشارة ضمنية إلى معنى الثورة المأخوذ عن أسطورة أو حكاية مشهورة لا مجال للخوض في تفاصيلها..
الحقيقة تصعب الإحاطة بهذه الظاهرة الأممية وصورها وأنواعها، وأعتقد شخصياً، بأن الشعب العراقي يحتفي بظاهرة انفرد بها، ولايمكن وصفها إلا بالرائعة، فبعد كل أربع سنوات وعلى مدى شهرين أو ثلاثة، وفي بعض الأحيان ستة أشهر أو يزيد، يمنح العراقيون أنفسهم حرية (حقيقية) وديمقراطية (حقيقية) يعوضون
بها كبتهم وحرمانهم وضيق صدورهم، ولذلك يضحكون على هواهم، وعلى هواهم يرقصون ويبكون ويسرقون ويغنون ويرتشون ويزورن ولا يقيمون وزناً لقانون أو نظام مروري، وعلى هواهم يذهبون إلى دوائرهم أو لا يذهبون، وعلى هذا المنوال يعيدون هذا الطقس الاحتفالي الموشوم بأعلى درجات الحرية بعد الانتهاء من كل انتخابات برلمانية، إذ يبقى البلد بحكومة تصريف أعمال، يعني من غير حكومة لها سلطتها وسلطانها، وتستمر أجواء الحرية هذه إلى عدة أشهر كما سبقت الإشارة وإلى حين تشكيل الحكومة، والحق يقال فإن هذه الشهور هي الأسعد في حياة العراقيين، ولذلك يتمنون لو جرت الانتخابات كل سنة هجرية.