الهروب من الظّل

آراء 2022/06/03
...

 رعد أطياف
 
الهروب من المعاناة تشبه حالة الهروب من الظِل!؛ فمن حتميات هذه الحياة هي المعاناة.
ولكي يهرب الإنسان من هذه الأخيرة يكافح لضخ المزيد من المشاعر السامّة تفادياً للوقوع بهذه الإشكالية العويصة.
بمزيد من الجهل بطبيعة الأشياء يراكم الأحكام والتقييمات لفهم المعاناة!.
يندب حظه العاثر، لأنه مقذوف في هذا الوجود رغماً عنه، يراكم الأسى وهو ينظر لزهرة العمر كيف تذوي، يتملّكه الرعب وهو ترتعد فرائصه من نشيد الموت. 
أنه يراكم الشقاء ويعزز من قوة رثاء الذات، ويحاول اكتشاف مسارب للهرب من هذه الكوابيس الثقيلة.
والحال سترافقه هذه المعضلات الوجودية كما ظله.
ثمة فارق جوهري بين الهروب والعبور؛ الأول يضاعف الأسى ويضيف المزيد من المسكوت عنه ويفاقم من سطوة الأوهام، وفي الثانية يقف رابط الجأش بلا أحكام وتقييمات ليضمن العبور الآمن. 
في الأولى يهرب من الظل، وفي الثانية لا يخشاه. 
من حق الكائن البشري أن يبحث عن السعادة، لكنّه ومن خلال هذه الرحلة البحثيّة يثير الضحك!، لأنه يحلم خارج الطبيعة الحقيقية لواقع الأمور.
ينظر إلى الماء ولا يتنكّر إلى طبيعته، يأكل الطعام ولا يتوهمه حجراً، لكنّه حين يقترب من هذا الحمل الوجودي الثقيل يتنصّل عن حمل الأمانة، ويفشل في النظر إلى واقع الأمور كما هي لا كما تصورها رغباته الجامحة، وما الرغبات سوى إمكانيات لألم جديد، كما لو أنه لا تكفيه كل هذه المخاضات العسيرة، وبدافع جلد الذات يتعارك مع ظله.
 ومما يزيد الطين بلّة هو تضخيمه المستمر لتلك الطبيعة من خلال تقييمه الزائد لها.
فلو تعاملنا مع طبيعة المعاناة كما يتعامل حامل الأثقال: تتعبه الأثقال، لكنها بذات الوقت تعزز من بنائه البدني، ولا يضخّم حالة الأثقال، إنه يرفعها فقط ويشعر بتعبها دون أن يتذمر منها.
وأزعم أن قوة مواجهة المعاناة لا تضاهيها أي رياضة أولمبية في العالم!.
إنها مطاولة واصطبار، بعيدة عن جلد الذات ورثائها.
لا نتوهم أن الكلام أعلاه يعزز من القسوة والمازوشية، بقدر ما ننفتح على هذه الحقيقة المضيئة، والتي تكشف نفسها في كل حين، وهي أن الحياة معاناة، نستقبلها بلا تشاؤم أو تفاؤل.
نحن الكائنات العجولة التي يرعبها تناهيها، تصطنع النسيان؛ نسيان الكينونة، ونسيان المعاناة، وتنشط بشكل غريب بتحفيز ذاكرة الأسى، وتتسابق بشكل جنوني للهروب من ظلها الشاخص، وتتناسى تلك الحقيقة الوجودية الهائلة: «ما وراء» هذه الثنائيات هنالك لحظات بريئة خارج أفق المعاناة.