جذوة الماضي

اسرة ومجتمع 2022/06/04
...

سعاد البياتي
 من أجمل الأشياء التي احتفظت بها ذاكرتي وما زالت تضيء لي بومضة الأمل والحب، هي تجربة الكتابة في دفتر اليوميات العتيد الذي احتفظت به زمناً طويلاً، وفيه تترجم عوالم من السحر والحياة البسيطة الهادئة والممتعة بكل ساعاتها وحركاتها اللذيذة حينما اتيح لهدوئي أن يركن إلى ذلك المكان المحبب لمغامراتي الفكرية التي أطيل أحياناً كثيرة في جذب عيون والدتي التي أخاف ظنونها، رغم حبها الشديد لي وثقتها الكبيرة بعوالمي الصبيانية المطمئنة لها والتي تعقد معها صمتاً محبباً، تعلم مدى محاولاتي في أن أكون فتاة ذات شأن في عالم الكتابة. 
ورغم بساطة حياتنا وعالمنا المثالي حينذاك، أحسسنا بمتعة سلوكياتنا التي تقاوم البساطة بذكاء وتفتعل كل ما يذوب الوقت بأشياء جميلة وممتعة، كانت كافية لإسعادنا!
اليوم افتقدنا تلك العوالم حينما سيطر على واقعنا العالم الافتراضي رغم محاسنه العديدة، وانشغل المجتمع بالتداعيات المريرة التي  زعزعت الحياة الهادئة وجثمت على صدور البشر عشرات السنين بالكثير من قصص الموت والدمار واليتم والفقر وغيرها مما خلفته الحروب، وحولت أفراحنا وبساطتنا إلى عالم يفتقد للواقعية، فكل أيامنا أمست ساعات نحياها بحلوها ومرها، ونركن إلى ذاكرتنا التي تحيي فينا بعض السعادة لصور ولقطات نعتز بها ونميل إليها، فالماضي لن يعود ثانية، مهما كان أليماً أو مفرحاً، فإنه يظل يحمل ذكرى عميقة في طيف أحلامنا وفي وجداننا، وإن كانت كما قلنا، فيها الكثير من الأحلام والأمنيات التي حققناها بفضل سعينا ومثابرتنا للوصول إلى مبتغانا، وبعضها ما زال عالقاً في أذهاننا بانتظار فرصة تحقق لنا شيئاً مما تمنيناه، لأن الأمل والحلم لن يتلاشيا طالما نحن على أرض الواقع، فهو في النهاية يظل له طابعه الخاص، وأما الماضي، الذي ودعناه وأصبح جزءاً من حياتنا ومن بعض سلوكياتنا التي نعتز بها ونمتثل لها، فها هو اليوم يعيد إلى عقولنا وقلوبنا أحاسيسه ونبراته، ويدق فينا كل حين أجراس الشوق والحنين، لا سيما لأيام الطفولة والدراسة التي لها وقع مختلف وعميق، لن يعيشه أطفال اليوم في زحمة العالم الافتراضي والمواقع الالكترونية التي سيطرت على عوالمهم الندية وسلبت البراءة بامتياز.