{اللابتي} .. حذاء من لحاء الشجر للفقراء

ثقافة شعبية 2019/03/24
...

جيورجي مانييف
ترجمة: ليندا أدور
يعدُّ صنع هذا الحذاء الفريد من نوعه مهارة أساسية لكل روسي، فقد استخدم كوسيلة لدرء القوى الشريرة ونقل أرواح المنازل من بيت الى آخر، انه الـ “لابتي” الحذاء الروسي التقليدي المصنوع من لحاء الشجر.
قديمة وخشنة وبالية، تعلق اللابتي (ومفردها لابوت) على جدران المنازل وأسيجتها، لتكون أول شيء تقع عليه عين الزائر عند دخوله، فهي كالسحر في منع الأفكار الشريرة التي يمكن أن يحملها الزائر
 المجهول. 
غالبا ما يرتديه الفلاحون، تبلغ تكلفة زوج واحد من اللابتي نحو ثلاثة كوبيكات (الكوبيك هو جزء من العملة الروسية وهي الروبل)، بينما تبدأ أرخص أنواع الاحذية الجلدية من خمسة روبلات، لذا كان يطلق على روسيا اسم “أرض اللابتي”، أي أرض 
فقراء الفلاحين.
 
لابتي الشعوب
تصنع وتستخدم الاحذية المصنوعة من الألياف النباتية من قبل شعوب مختلفة ومن ثقافات مختلفة، فقد صنع البولينيزيون الاحذية من ألياف أشجار جوز الهند لتسهل عملية السير على قاع المحيط اثناء الصيد، كي لا تتسبب بجروح من الحجارة او المحار. وفي كهف ميسوري، نجد أنواعا مختلفة من هذه الاحذية التي صنعها سكان أميركا الاصليون، بينما ارتدى اليابانيون صنادل تُدعى “واراجي” صنعت من حبال
 قش الأرز.
يعود تاريخ الاشارة الأولى للابتي في روسيا الى القرن الثاني عشر، لكن علماء الآثار برهنوا على أنّها أقدم من ذلك بكثير. فكيف تصنع اللابتي؟، يتم تجريد لحاء أشجار (البتولا والزيزفون والسنديان والدردار وغيرها) مع القش ومن ثم تخزينها. قبل صنع الحذاء، يعمد الى نقع القش بالماء ليتم فصله عن اللحاء وتقطيعه الى شرائح 
جاهزة للنسج.
يمكن لرجل راشد أن يرتدي اللابتي الجديدة لعشرة أيام حتى تبلى، في حين يمكن للابتي قديمة ان تدوم لأربعة أيام فقط خلال موسم الحصاد. 
لكن اللابتي القديمة لا يتم رميها بل تعليقها على أسيجة الحظيرة او المنزل. لا يحتفظ الفلاحون الروس بكل اللابتي القديمة، بل على العكس، فبدلا من رميها، كانوا يلجؤون الى حرقها اذ تملي عليهم التقاليد أن
 لا يقوموا برميها.
تختلف طريقة نسج اللابتي من منطقة الى أخرى، ففي أواسط روسيا يوضع اللحاء بشكل قطري وتبدأ عملية نسجه بدءا من منطقة الكعب، أما في الجزء الغربي من روسيا، فيبدأ النسج من نهاية أصبع القدم مع وضع اللحاء بشكل عرضي. يتميز لابتي موسكو بكونه عاليا في منطقة الكاحل، بينما لابتي المناطق الشمالية نجده منخفضا ومدببا من الأمام عند مقدمة الأصبع. 
يذكر أنّ لابتي الشتاء يصنع من طبقات مزدوجة من اللحاء، وفي بعض الاحيان يحتوي على نعل جلدي، وهناك لابتي العطل والمناسبات الذي غالبا ما يكون خفيفا ومزركشا بالالوان ويربط بشريط من
 الصوف.
 
السر المفقود
يمكن لأي شخص صنع اللابتي، لذلك تعد من أكثر الاحذية الروسية انتشارا، حتى أن هناك مثل روسي قديم عن رجل مخمور يقول: “لا يمكنه حتى ربط اللحاء”، بما معناه أنّه لا يتمكن من القيام 
بأبسط الاشياء، وهذا يظهر مدى أهمية النسج 
بالنسبة الى الروسي، فبعد أن يصنع الصبي أو الفتاة الروسيان أول لابتي لهما، يتم حرقهما في الفرن وابتلاع رمادها (مع الماء او الخبز)، وبعد القيام بهذه العملية، ومع أول نسج للابتي جديد، يعتقد الروس بأنّه لن ينسوا كيفية صنعه 
على الاطلاق.
حتى بدايات الاتحاد السوفيتي، كانت أحذية اللابتي تستخدم  كأحذية يوميّة، وخلال الحرب الاهلية الروسية،
 كان معظم أفراد الجيش الأحمر يرتدون اللابتي، وكان هناك هيأة خاصة بذلك تشرف على عمليات تزويد الجيش
 الروسي باللابتي. 
لكن وبعد شيوع انتاج الاحذية المصنوعة من الجلد والمطاط في الاتحاد السوفيتي، تراجع ارتداء اللابتي، بالرغم من انها لا تزال تلبس أحيانا في المناطق الريفيّة حتى 
يومنا هذا.
لكن يبقى السؤال، كيف يمكن للروس صنع اللابتي لقرون دون الإضرار بالاشجار؟، لا يزال هذا السر مفقودا، على فرض أن الروس لديهم طرق خاصة بانتزاع اللحاء من شجرة واحدة لعدة مرات 
ولعدة سنوات.
                                                 
*موقع راشا بياند ذا هيدلاينز