الإدانة وحدُها لا تكفي

آراء 2019/03/24
...

سعد العبيدي
حادثة العبارة التي انقلبت في نهر دجلة بالموصل يوم ٢١ آذار الحالي (عيد النوروز)، وراحت ضحيتها أعداد كبيرة، كارثة إنسانيَّة اجتماعيَّة لا تتوقف تفاعلاتها عند تلك الأرواح التي زهقت فجأة بلا ذنبٍ يذكر، ولا بالطفولة التي وئدت في غفلة من هذا الزمن، ولا عند جثث لغرقى ما زالت مفقودة لم يتم العثور عليها دون سبب... منها جميعاً والأسباب التي أدت الى حدوثها بدءاً من التقصير الذاتي للفرد الراكب فيها، رجلا كان أم امرأة، وحيداً جاء أم كبير عائلة قصدتها للعبور أو لمجرد الترويح، الذي ركب فيها وربما تدافع مع غيره من أجل الركوب على متنها، وهو العارف جيداً أن حمولتها زادت عن الحد المقرر، وان الزيادة تجاوز على المحدوديات ذات الصلة بالحمولة.
مروراً بالجهات الحكومية المعنية في المحافظة، بإصدار الإجازات الخاصة بالتشغيل ومتابعتها في ظروف تعي جيداً كم هي المخالفات والتجاوز على الشروط.
وبالمستثمر أو الشركة المستثمرة للمشروع التي أغمضت عينيها وتغاضت عن مخالفة واضحة تتعلق بتحميل العبارة أكثر من طاقتها بكثير لمجرد زيادة كم الربح المتحصل من تشغيلها، وكذلك لم تدقق في إجراءات السلامة داخل العبارة وحساب كل الاحتمالات كما يفترض أنْ يكون.
وبرجالات الأمن الذين يقفون في كل الزوايا يستعرضون العضلات، المعنيين في التدقيق في الظروف المحيطة والاستعداد الدائم للوقوف بالضد من أية خروقات للإجراءات التي تتعلق بالسلامة. 
وبالحكومة المحلية، من محافظ ومجلس محافظة ودوائر اختصاصيَّة ورقابيَّة، المعنيين بالإدارة والمتابعة وحماية محافظتهم من التدخل والفساد والتجاوز على السلامة العامة والمعنيين أيضا بالتأكد من حسن العمل وانسيابية وسلامة التشغيل. 
سلسلة طويلة من عوامل المساهمة في حصول الخطأ الذي تسبب في هذه الكارثة وباقي الكوارث الأخرى لا يمكن التعامل معها والحيلولة دون تكرار حصولها بمجرد التعاطف والاستنكار وشجب الحصول كما اعتدنا في كل مرة تحصل فيها كارثة من بين كوارث لا ينقطع حصولها، ولا بمجرد الترحم على الضحايا في أجواء حزن مؤلم تدفع الى الترحم آلياً.
إنَّ انقلاب العبارة وغرق كل هذه الضحايا، كارثة ينبئ حدوثها باحتمالات تكرارها في مجالات أخرى وهنت في مجالها مؤسسات الدولة، وضعف وسطها الإنسان الذي يدير وكذلك المستفيد الذي يدار من كثر الشد والتعب والاستمرار في صرف الطاقة. ولكي لا يتكرر الحدوث وتعاد المأساة لا بدَّ من التوقف عند هذه الكارثة وقوفاً طويلاً لدراسة الوضع الذي ساعد على حصولها، وشكل الإدارة العامة للدولة والمجتمع التي أسهمت في الحصول، ومن بعدها السعي الى صياغة قرارات حكوميَّة وقوانين برلمانيَّة قادرة على إخراج المجتمع والدولة من خانة الخدر والتلكؤ والفساد قبل أنْ يجد المجتمع ومن بعده الدولة أنهما فقدا السيطرة على حالهما. عندها سوف نضرب الكف بالكف يوم لا يفيد الضرب على الكفوف.