ايقونة التاريخ البريطاني توماس إدوارد لورنس المعروف باسم لورنس العرب، هو احد الطلاب المتخرجين من جامعة اكسفورد، والجاسوس الذي لعب دورا مهما في الثورة العربية ضد الامبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى التي حددت مستقبل المنطقة ومهدت الطريق لصراعات القرن العشرين.
وبحسب مؤرخ السير الذاتية الاميركي سكوت اندرسون فان تركة لورنس لا تزال محلا للنزاع عليها بقوة، فبالنسبة للبعض هو رؤية خيالية لمستشرق بريطاني معتدل، فكان صديقا للعرب وضحية مؤسفة لقرارات سياسية كانت خارج سيطرته.
وبالنسبة للآخرين فرغم أنه كان عميلا متواطئا بفرض الحكم الامبريالي البريطاني على الشرق الأوسط، والذي خان القضية العربية التي كان يتبناها بحماس شديد.
درس لورانس التاريخ في جامعة اكسفورد، وامضى السنين الاولى بعد تخرجه مساعدا لتنقيبات الاثار في سوريا، وتعلّم الحديث بالعربية وتوسع اهتمامه بالثقافة والتاريخ والسياسة العربية، وقاده وجوده في سوريا لدعم حركة الاستقلال العربي النامية ضمن حدود الامبراطورية العثمانية.
ومع اندلاع الحرب تم ارسال لورنس الى مصر للاستفادة من مهاراته اللغوية في مكتب الاستخبارات، وبحسب اندرسون فإنه بعد عمله المكتبي لمدة عامين، كان قلقا من العودة الى عمله الميداني.
الانتفاضة العربية
كانت الحركة القومية العربية مقلقة للحكم العثماني، وأدرك البريطانيون انها قد تعطيهم الفرصة المثالية لزعزعة استقرار الامبراطورية وتعزيز قضية الحلفاء، وكان الشريف حسين ملك الحجاز الهاشمي في شبه الجزيرة العربية قد تمكن بالفعل من تحقيق مكاسب كبيرة ضد العثمانيين، بسيطرته على مدينتي مكة وجدة، فتم ارسال لورنس الى الحجاز لمعرفة ما يمكنه ان يعرفه عن آمال الثورة العربية، وحث الهاشميين على قيادة هجوم اكبر ضد العثمانيين.
وبحسب اندرسون، ربط لورنس نفسه بالأمير فيصل بن الملك حسين والذي كان شخصية قيادية ذكية، وأدرك بأنه الشخصية المثالية لتوحيد القبائل العربية، وتنظيم انتفاضة واسعة ضد العثمانيين، فوعده لورنس بدعم بريطانيا الحاسم بتأسيس الدولة العربية المستقلة عند سقوط العثمانيين.
ونجح لورنس وفيصل بتوحيد العرب وتحقيق سلسلة من الانتصارات الكبيرة ضد العثمانيين، وكان من أهمها احتلال ميناء العقبة بعد رحلة شاقة عبر الصحراء استمرت شهرين.
ومع اندفاعه كثيرا للوصول نحو الثورة العربية، لكن شعوره بالذنب والقلق كان يتزايد، لعلمه أن حلم الدولة العربية كان عقيما، لأن البريطانيين خانوا الهاشميين، فبينما كان العرب متعلقين بأمل الاستقلال وتشجيع ثورة عربية ضد العثمانيين، كانت للبريطانيين اتفاقية سرية مع الفرنسيين.
لأن شروط الاتفاق المعروف باتفاقية سايكس-بيكو، لم تتضمن دولة عربية مستقلة بعد تفكك الامبراطورية العثمانية، وإنما تقسيم المنطقة بين نفوذين أحدهما يضم سوريا ولبنان تحت السيطرة الفرنسية، والآخر يضم العراق وفلسطين وشرق الاردن تحت السيطرة البريطانية.
وهذه كانت خيانة عميقة للقضية العربية والوعود التي قطعتها بريطانيا لكل من فيصل ووالده، وبحسب اندرسون، فإن لورنس ومع اقترابه جدا من فيصل والقضية العربية، بدأ يشعر بالتمزق والتشتت بين واجبه كعميل بريطاني والإخلاص الذي كان يشعره بأنه مدين به لفيصل.
محاولة عربية
وإثارةً للفتنة اخبر لورنس فيصل عن اتفاقية سايكس– بيكو، فقرر الأمير ان يسبق الاتفاقية بتحريض السوريين للزحف الى دمشق، فإذا تمكنوا من استعادة المدينة قبل وصول الفرنسيين، فقد يحبط نجاهم تنفيذ الاتفاقية. ورغم نجاح فيصل بالوصول الى دمشق، إلا ان حلم الدولة العربية الموحدة الذي امتد في المنطقة لن يتحقق، فقد وصل الجنرال أللينبي الى دمشق وقام بتفكيك الحكومة العربية التي أسسها فيصل، وأُعطيت دمشق الى فرنسا واحترمت شروط اتفاقية سايكس–بيكو، ورغم استمرار لورنس بالتحشيد لمصلحة القضية العربية، لكنه في الواقع ادرك بأن الأمل ضعيف.
وبحلول العام 1921، عاد لورنس الى بريطانيا وثبُتَ في عدة قواعد عسكرية بريطانية، لكنه كان رجلا محطما ولم يتعاف تماما من صدمة تجربته في الشرق الأوسط، وأصبح محبطا ومنعزلا بنحو متزايد، ثم توفي بحادث دراجة نارية سنة 1935 بعمر
46 عاما.
لكن تركة لورنس ما زالت حية حتى الان، وتستمر بتقسيم المؤرخين والمعلقين السياسيين بشأنها، فهناك رؤية مثالية قدمها المخرج البريطاني ديفيد لين عبر فيلم السيرة الذاتية (لورنس العرب 1962)، اخفت الجانب المظلم لنشاطاته في الشرق الأوسط، وبرأته من مسؤولية دوره في الفشل النهائي لحركة الاستقلال العربي، ويرى آخرون أن لورنس نفسه كان مجرد حجر شطرنج، ولم تكن لديه قدرة حقيقة لصياغة السياسة البريطانية في الشرق الأوسط، رغم تعاطفه مع القضية العربية. وبعد قرن كامل من نهاية الحرب العالمية الاولى، والثورة العربية، واتفاقية سايكس–بيكو، وتفكك الامبراطورية العثمانية، ما زالت تلك الاحداث مصدرا للنقاش في الشرق الاوسط المعاصر، حيث تواجه المنطقة آثار تلك الاحداث الجوهرية بعدة طرق، كما انها ما زالت تمر بفترات صراعات وانقسامات نشأت بفرض الانتدابين البريطاني والفرنسي، إلا ان تركة لورنس المثيرة للتقسيم لا تزال تلوح في افق المنطقة.
عن موقع The Vintage news