حميدة العربي
"ميزة السينما الحقيقية هي قدرتها على التقاط وتوصيل الحميمية للعقل البشري"
تحتفل الأوساط الفنية الهندية والعالمية بمئوية المخرج الشهير ساتيا جيت راي التي تصادف في2021 وتم تأجيلها بسبب الجائحة إلى هذا العام، بإقامة مهرجانات فنية وعروض لأفلامه وندوات لاستذكار مسيرته السينمائية الفذة وأسلوبه المتفرد في السينما. وسيتم إطلاق جائزة باسمه، ضمن مهرجان الفيلم الهندي لهذا العام
راي تصدر قائمة أعظم عشرة مخرجين في شبه القارة و يعد واحداً من أعظم 20 مخرجاً في آسيا وضمن أعظم مئة مخرج في العالم لكل العصور، وهو أكثر الفنانين الهنود حصولاً على جوائز محلية وقارية وعالمية وشهادات تقدير وتكريم، والوحيد الحاصل على الأوسكار.
ولد في كلكتا عاصمة ولاية غرب البنغال في 2 أيار1921، ووالده الكاتب سوكومار راي المتخصص بأدب الأطفال وجده اوبندرا راي كاتب ومصور وفيلسوف، وصاحب دار للنشر.
بهذه البيئة بدأ اهتمام راي بالأدب والفن، ودرس الاقتصاد في معهد برزيدنسي، لكن أمه أجبرته على الدراسة في جامعة ڤاسڤا بهاراتي التي أسسها الشاعر الفيلسوف طاغور وفيها تعرف على الفنون الشرقية وأسس جمعية كلكتا للسينما، وحين جاء المخرج الفرنسي جان رينوار لتصوير فيلمه "النهر" رافقه راي لاختيار بعض المواقع وعمل معه مساعد مخرج وشجعه رينوار على نيته في الإخراج، وبدأ حياته العملية بتصميم الإعلانات ورسم أغلفة الكتب، في وكالة بريطانية للإعلان، أرسلته إلى لندن في دورة تدريبية لستة أشهر.
يقول راي "كنت أقضي أوقات الفراغ بمشاهدة الأفلام فشاهدت 99 فيلماً آخرها فيلم "سارق الدراجات" لڤيتوريو دي سيكا وحين خرجت من الصالة قررت أن أخرج فيلماً ."
كان للواقعية الايطالية ودي سيكا تأثير واضح في منهج راي منذ أول أعماله ثلاثية آبو ( باثر بانچالي، آباراجيتو، وعالم آبو ) فقد تعلم منه حشد التفاصيل السينمائية في لقطة واحدة والابتعاد عن الاستوديوهات واستخدام الهواة في التمثيل.
تميز أسلوب راي بالواقعية البحتة والاهتمام بالتفاصيل والتعبير بالصورة وحركة الكاميرا البطيئة واعتماد الموسيقى كعنصر أساسي في بناء المشاهد، وتركزت أغلب أعماله الروائية حول الطبقات الفقيرة، فاتهمه بعض النقاد بتمجيد الفقر وتصدير صورة سلبية عن المجتمع الهندي وإنه يصنع أفلاماً للمهرجانات وللغرب وانتقده بعض الاشتراكيين بأنه لم يكن ملتزماً بقضايا الطبقات المضطهدة ولم يتمكن من التغلب على خلفيته
البرجوازية.
معظم أفلامه خسرت مادياً لكنها حققت نجاحات باهرة وحصدت الجوائز في المهرجانات المحلية والعالمية وألهمت الكثير من المخرجين الهنود البارزين لاتباع أسلوبه بل إن مخرجين عالميين اعترفوا بتأثير أعمال راي عليهم أبرزهم مارتن سكورسيزي، كوبولا، جورج لوكاس، عباس كياروستامي، إيليا كازان، إيساو تاكاهاتا، كوينتين تارانتينو، كريستوفر نولان وغيرهم.
أخرج راي 35 فيلماً بين الروائية والوثائقية والسيرة، أبرزها، بعد الثلاثية، حجر الفلاسفة، حجرة الموسيقى، الرجل المقدس، الزوجة الوحيدة، ديڤي، الرحلة، الجبان، ثم الرعد البعيد، المدينة الكبيرة، الفتيات الثلاث، لاعبو الشطرنج، وطاغور وغيرها، إضافة للانشغالات الأدبية في تأليف القصص التاريخية مثل "حكايات الملا نصير الدين" ومذكراته "أيام الطفولة" و "أفلامنا وأفلامهم" عن آرائه بالسينما العالمية و "سنوات مع آبو" عن تجربته مع ثلاثيته، واهتم بأدب الأطفال وكتب لهم قصصاً ومقالات وأعاد إصدار مجلة الأطفال "سانديش" التي أسسها جده بداية القرن العشرين وابتكر واحدة من أشهر الشخصيات للأطفال، فيلودا.
عام 1962 كتب قصة للأطفال بعنوان "الأجنبي" ونشرها في "سانديش" ثم حولها عام 67 19 إلى سيناريو قدمه إلى شركة كولومبيا الأميركية، لكن السيناريو تم طبعه ونشره دون علم راي، عام 1982 عندما عرض فيلم "إي تي" الشهير لسبيلبيرغ لوحظ تشابه قصته مع سيناريو "الأجنبي" علق راي "لم يكن فيلم سبيلبيرغ ممكناً لولا سيناريو الاجنبي، الذي سرقوه"، وسبيلبيرغ نفى ذلك وأكد أنه وجد السيناريو مطبوعاً في كل أميركا..
راي الوحيد الحاصل على الجائزة الوطنية للسينما 36 مرة والأسد الذهبي من مهرجان ڤينيتسيا والدب الذهبي، والفضي مرتين، في برلين، وجائزة الدولة " بهارات راتنا "من الدرجة الأولى.
أما الأوسكار فقد تسلمها عن مجمل مسيرته، وهو على فراش المرض، ورحل بعدها بـ 24 يوما فقط قبل 9 أيام من عيد ميلاده الحادي والثمانين.
صدرت عنه كتب وأفلام وثائقية عديدة مثل"ساتيا جيت راي" لشيام بينيغال و " راي، حياته وأعماله" لجوتام جوس و "موسيقى راي" لتشاكرابارتي .
قال عنه المخرج الياباني أكيرا كوروساوا : "من لم يشاهد أفلام راي مثل الذي مر بالحياة دون أن يرى الشمس أو القمر".