جسور العاصمة

الصفحة الاخيرة 2022/06/06
...

عبد الهادي مهودر
 
لكل جسر من جسور العاصمة بغداد حكايته وقصة صموده وصراعه من أجل البقاء على قيد الحياة والخدمة، وشهدت مقترباتها انتفاضات العراقيين وتغنى بها الشعراء القدامى والمعاصرون، وهي مثل أهلها العراقيين، تحملت ما لا يحتمل في سن السبعين والثمانين والمئة عام من عمرها وتعرضت لقصف وتدمير وتفجير وأثقال الكتل الكونكريتية، واليوم تتكدس عليها عشرات السيارات في ساعات الازدحام بلا رحمة وبالأخص فوق جسري الجمهورية والمعلق، مع أن أهل الطرق والجسور يعرفون ضعف قدرتها على التحمل وربما يوصون شرطة المرور بمراعاة الجسور وتخفيف الأعباء عنها باعتبارها جسوراً قديمة وجريحة، وحال الجسور لا يسر، وأقصى ما نشاهده من اهتمام لا يتعدى النشرات الضوئية (الزرق ورق) وعمليات ترميم تشكو قلة التمويل، وفي آخر احتفالية لأمانة بغداد شاهدنا كيف وضعت قوة من الجيش كمية كبيرة من متفجرات الألعاب النارية فوق جسر الشهداء، الذي افتتح عام 1939، ومنعتنا تلك القوة من عبور الجسر لخطورة المفرقعات التي هزت الجسر مرات متتالية دون أن تعرب أية جهة مسؤولة عن قلقها الشديد في أضعف الأحوال، وتيقنا حينها بأن جسور العاصمة في ذيل قائمة الاهتمام والقلق، ونتمنى أن تكون الجهة المسؤولة عن سلامة الجسور على علم مسبق بما يجري من سوء استخدام وتصلها مخاطبات رسمية لاستحصال موافقتها على استخدام الجسور كمنصات لتجميع العبوات المتفجرة واطلاقها، أو يستأذنونها حين توضع عليها أطنان من الكتل الكونكريتية لعدة أشهر، وهذا الاحتمال مستبعد لأن الاجراءات الأمنية فوق كل اعتبار، والغريب أن جسور بغداد، تمتد بمسافات قصيرة فوق نهر دجلة ولا تبلغ عشرات الكيلومترات كما هو حال الجسور الطويلة العملاقة العابرة للبحار في دول العالم، ما يعني أن صيانتها وتوسعتها ومراقبة استخدامها عمل ممكن وليس مستحيلاً، وبالأخص في ظل الاستقرار الأمني والوفرة المالية المتحققة المعلن عنها خلال مرحلة إعداد الموازنة المالية.
والغريب في هذا الموضوع هو تداخل أعمال وصلاحيات الجهات المسؤولة عن الطرق الداخلية والسريعة والجسور والاختناقات المرورية، أهي وزارة (الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة) متمثلة بدائرة الطرق والجسور، ولاحظ معي طول اسم الوزارة وتعدد مسؤولياتها ، أم هي أمانة بغداد والمحافظات؟ فقبل أيام سمعنا أن أمانة بغداد ستقوم بتشغيل الإشارات المرورية الضوئية في التقاطعات وليس مديرية المرور العامة، ولو يتم فض هذا الاشتباك وتحميل المسؤولية لجهة واحدة، فسنرى طرقاً آمنة وجسوراً أفضل وحوادث و(طسات) أقل، وها نحن نعرب عن قلقنا الشديد على مستقبل جسور العاصمة بشكل مسبق، كما يعرب المسؤولون الأمميون عن قلقهم الشديد عند وقوع الكارثة.