خفايا سفير

الصفحة الاخيرة 2022/06/11
...

جواد علي كسار
مكث في بغداد ثمانية أشهر ونصف ممثلاً لبلاده، التقى خلالها أحمد حسن البكر مرّة وصدام حسين مرتين. هذه باختصار هي قصة السيد محمود دعائي أول سفير لجمهورية إيران الإسلامية في العراق، ثم المسؤول عن مؤسسة «اطلاعات» أقدم مؤسسة صحفية في إيران، حتى وفاته يوم الأحد الماضي.
نُسب إليه أن صدام استدعاه مطلع رئاسته عام 1979م معترضاً على تدخلات إيران، وذكر له أنه على استعداد للسفر إلى طهران شخصياً، أو أن يرسل وفداً رفيع المستوى لحلّ الخلافات بين البلدين، وإلا فهي الحرب. في تتمة هذه القصة التي قيل أن مصدرها مذكرات وزير الخارجية الأسبق إبراهيم يزدي؛ أن دعائي عاد برسالة صدام هذه إلى إيران، وذهب بمعية رئيس وزراء الحكومة المؤقتة مهدي بازركان والقيادي الأبرز محمد حسيني بهشتي، لزيارة السيد الخميني في مدينة قم حيث كان يقيم، فكان جواب الخميني كلمة واحدة موجهة إلى دعائي متجاهلاً توضيح بهشتي وبازركان: عُد إلى مقر عملك، هذا هو تكليفك الشرعي. فبكى دعائي، وقال: أقسم بالله، سيهجم صدام، ويباغتنا بالحرب، وهذا ما كان.
بالعودة إلى مذكرات إبراهيم يزدي لا نعثر على هذه الواقعة. وبدوره نفاها دعائي في مذكراته، وكرّر نفيها عشرات المرّات خلال أربعة عقود، وكان له في الوقائع التي حصلت روايته الخاصة. 
زرته في مقر عمله بصحيفة «اطلاعات» وسمعت منه شخصياً حقيقة ما حصل. يقول: عندما كنت سفيراً ببغداد كان الجهاز الحاكم في العراق موّزع بين خطّين؛ الأول معتدل يتمتع بخبرة الانفتاح على العالم، ناضج عركته التجارب، على رأسه أحمد حسن البكر. والخطّ الآخر يتكوّن من شخصيات عنيفة متطرفة؛ والخطان لم يكن أحدهما يتحمل الآخر. وبإقالة البكر تموز 1979م وصعود صدام، انتصر خطّ العنف والتطرّف على الاعتدال والمرونة والانفتاح.
يقول: رحّب البكر بتعييني سفيراً بينما لم يرق ذلك لصدام. يضيف: التقيت الرئيس البكر مرّة واحدة، وقد دام اللقاء ساعتين خلافاً للمعتاد، وكانت الثقة والإيجابية هي سمة هذا اللقاء على طول مدته، لم يعكر صفوه شيء. أما عن صدام فقد سمعت منه مباشرة أنه التقى به مرتين على نحو بروتوكولي؛ مرة في العيد عندما استقبل السفراء لتلقي التهنئة، إذ يقول: لما كان هذا هو لقائي الأوّل معه، فقد شدّ على يدي ولبث معي برهة، فاستفدت من الفرصة وطلبت منه إطلاق سراح بعض السجناء الإيرانيين المعتقلين في العراق، وقد أمر بذلك. واللقاء الثاني في المطار مع السلك الدبلوماسي، عندما عاد من رحلة خارج العراق. في أوراق دعائي الكثير من التفاصيل والخفايا التي تتصل بالعراق، عسى أن نوفق للعودة إليها لاحقاً.