غيداء البياتي
طاولات فيها من الأطعمة والأكلات البغدادية ما لذ وطاب، إذ اختلف ما قدمته تلك المنصات أمام المارة في شارع أبي نواس وتنوعت الأطباق، فكان منها ما يشبع العين قبل المعدة لكثرة الترتيب وكأن صانعها أو صانعتها إن صح التعبير قد مارسا مهنة فن الاتكيت بأحد الفنادق الراقية.
على ما يبدو أنه مهرجان للأكل، لأن الجميع فيه يأكل بلذة، شاءت الصدف أن أكون متواجدة للتمتع بجمال هذا الشارع العريق في عطلة نهاية الأسبوع مع الأسرة، وبينما وصلت لتمثالي شهريار وشهرزاد لالتقط الصور التذكارية مع أبرز شخصيتين في قصص ألف ليلة وليلة بجوالي الذي بدا هو الآخر خالياً من بعض المناظر الخلابة والراقية من مدينتي الحبيبة بغداد.
شدني جمع متنوع من الناس ومن جميع الأعمار، بعضهم يسير ويكتفي بالنظر والآخر يتذوق، بينما تحاول امرأة يبدو أنها في عقدها الخامس شرح تفاصيل ما صنعته يداها للمارة؛ هنا سكتت شهرزاد عن الكلام المباح وتركتها مع شهريار الذي انتظر حتى الصباح ليستمع إلى قصة هذا التجمع من زوجته الخارقة الذكاء.
تيقنت حينها أنه مهرجان مخصص للأكل يقام لأول مرة في بغداد لدعم المشاريع الصغيرة وتقدم فيه النسوة البغداديات أنفسهن بشكل صحيح، وهناك الكثير من المشاركات وبجميع الأعمار، وجميعهن يعملن الأطباق شغفاً بالطبخ وأملاً بايجاد فرصة عمل تسد حاجتهن اليومية بكرامة.
أخذت أدقق بجميع الطاولات «ونفسي الدنيه تتلمض» على ما موجود من طعام بغدادي مميز، فكانت هناك طاولة افترشت بأنواع من الأطعمة الصحية «الدايت»، وهي لفتاة تخرجت من الجامعة ولم تجد من الوظيفة الحكومية نصيباً، اعتمدت على نفسها لتبدع في صناعة الأطباق الصحية على أمل أن يأخذ بيدها صاحب أحد المطاعم الكبيرة لتنهض بمشروعها الصغير، وغيرها الكثير من المشاركات بأطباقهن البغدادية والشرقية، عسى أن يجدن ضالتهن بتطوير مشاريعهن البسيطة.
آمنت حينها بالمقولة الشهيرة بالنسبة لي « لا يأس مع الحياة» في وطن تكاد تنعدم فيه الفرص.
ولعل من دواعي سعادتي التي لا توصف والتي تكمن بوجود مثل تلك الفتيات اليافعات والنسوة المبدعات في بلدي تمنيت في سري أن أكون صاحبة قرار أو أمينة لبغداد لأتمكن من دعمهن بمبلغ من المال يكفي لإنجاز مشاريعهن الصغيرة التي تحفظ ماء وجههن وتسد رمق عيشهن بكرامة وشرف.