البدري .. الإجماع النادر

الرياضة 2022/06/13
...

علي رياح
لست بمستغرب أن يحقق مـؤيد البـدري، في يوم رحيله إلى دار الخلد، كل هذا الإجماع في قلوب العراقيين وعقولهم وذكرياتهم وفي انشدادهم إلى العراق الواحد الذي يسكننا ونسكنه. 
العجيب حقا ألا يحقق البـدري مثل هذا الإجماع بما عُـرف عنه من عراقية متجذرة لم تهتز، ولم تتغير، ولم تتلون، ولم تعصف بها التقلبات.
الرجل في حياته المضيئة كان يمثل زمنا نادرا لن يتكرر في كينونة العراق والعراقيين، زمنا كانت فيه الحياة على مصاعبها لا تشكو زحام المصالح وتقاطع النوايا إلى هذا المستوى من النفور الذي نعيشه الآن.
في زمن مؤيد البدري، كانت فقرة نقدية تلفازية قصيرة في برنامج له سمعة مدوية مثل الرياضة في أسبوع، تطيح بمدرب ومسؤول وترفع بطلا مبدعا يجد نفسه صبيحة اليوم التالي وقد تحول إلى بطل قومي تحيط به كل معاني الفخار والاعتزاز.
في زمن مؤيد البدري، كان مدرب مثل عمو بابا – حين يعمل أو يغضب لمهنته أو مهمته - يمسح الأرض بأكبر نجم أو اسم في الكرة.. هذا الأخير يطيع امتثالا وخجلا وحبا في الاستزادة من الشيخ.. وفي زماننا اليوم يضع اللاعب قدما فوق قدم خلال المحاضرة التدريبية، فهو يعرف أنه (اشترى) المدرب والإداري وأنه يملك بيده – الأصح بقدمه – مفتاح النجاح لهما.. فلا حيله لهما من دونه.
في زمان البدري كان الإداري أو المدرب في الرياضة لا يملك إلا قليلا مما توفره الرياضة له.. مع هذا كان يتسم بعزة النفس، حرصا على ألا يسقط من عين اللاعب.. في زماننا هذا بات من المألوف أن يلجأ المدرب أو الإداري إلى لاعبه كي يملأ بطنه بعشوة في مكان مفتوح، فقد صار اللاعب مصدر النعمة.
في زمن البدري كان الناس ينهبون جريدة واحدة مثل (الملعب) أو (الجمهور الرياضي) أو (الرياضي) من على دكة عمنا الغالي أبو رحيم، فنمرّ ونحن في طريقنا إلى المدرسة عند السابعة والنصف صباحا، فلا نجد أثرا للجريدة التي نفدت وتطايرت نسخها لدى عشاق القراءة الرياضية وهم ينتقلون إلى دوائرهم في حافلات نقل الركاب، فنضطر في المرة المقبلة إلى (الاشتراك) كي لا تضيع الجريدة ونهدر فرصة قراءتها من هيدها الثابت إلى آخر كلمة لإبراهيم إسماعيل أو شاكر إسماعيل أو ضياء المنشئ أو أحمد القصاب.. واليوم صرنا نصدّر إلى الناس جرائدنا وكأننا نصدّر لهم الهم المقيم، وغالبا ما تعود إلينا نسخنا بعد أن تنتظر خجلا وترقبا من يتلقفها من على مصاطب البورصة.. تعود كأنها السهام الطائشة التي نسددها فترتد إلى نحورنا.
في زمن البدري، كان المشجع الكروي يذهب إلى الملاعب وقد ارتدى أشيك ما لديه من بدلات، كأنه يذهب إلى أمسية للفرقة السمفونية، وفي زماننا يُقبل المسؤول الرياضي الكبير نحو محل عمله مترديا القاط والرباط والنعال.. خلطة عجيبة تتبدى فيها معالم (الأناقة) في هذا الزمان!. لقد كان هذا زمان البدري، فلماذا لا يكون رحيل (مؤيد) الأب والقدوة والأستاذ غيمة ثقيلة تظلل سماء العراقيين؟.