حكومات وأنظمة

الصفحة الاخيرة 2022/06/13
...

حسن العاني
 
عرفتِ البشرية أنماطاً عديدة من الحكومات والأنظمة (ممالك/ إمبراطوريات/ جمهوريات/ إمارات/ مشايخ.. إلخ) مثلما ظهرت حكومات على هيأة مجالس قبلية، تضم عادة أثرياء القبيلة ووجهاءها.. هذا غير سلطات الكنائس المطلقة، التي عرفتها أوروبا في القرون الوسطى.
إذا انتقلنا من العام إلى الخاص، أعني إلى العراق، فإن الدولة العراقية منذ قيامها لم تشهد سوى صيغتين للحكم (ملكية وجمهورية) وسأقصر كلامي عليهما مراعاة لمجال النشر.. وإذن فهو انقلاب 14 تموز 1958، تاريخ فاصل بين عهدين، ولادة نظام وموت نظام.. إنها (الجمهورية على حساب الملكية)، وقد حملت المولودة في حقيبتها كل جديد في الرؤى والأفكار والثقافة والاقتصاد والسياسة والزراعة والتربية و... وكان أغرب ما احتوته تلك الحقيبة، أو أغرب ما في هذا الجديد هو ارتفاع نغمة (المؤامرة) وتبادل تهمة الخيانة بين قادة الإنقلاب، بينما الجمهورية ما زالت في صالة الخدج، ومن فواجع الجديد ظهور بوادر مبكرة لثقافة القتل على الهوية الحزبية، مع إنتعاش فكرة الدكتاتورية العسكرية عبر لافتة (الزعيم الأوحد)، الذي كان يقف مرة مع هذا الطرف الحزبي ومرة مع ذاك تحت شعار (فوق الميول والاتجاهات) من دون أن يعير بالاً للشوارع التي لونتها الدماء، ولم توفق أول جمهورية في تقديم نفسها إلى الشعب بالصورة التي كان يحلم بها، قبل أن يطيح بها الانقلاب الدموي في شباط عام 1963، ويتم إعدام زعيمها الأوحد بوحشية تفتقر إلى أبسط الأعراف القانونية!
على هذا الأساس سارت الجمهوريات اللاحقة، تقودها صيغة عشائرية بنكهة الرجعية، أو دكتاتورية بطعم الموت أو ديمقراطية بلون الطائفية، ومع ذلك يبقى 14 تموز يوماً تاريخياً بدأ عند الساعة الخامسة فجراً - كما يروي الزميل الصحفي الرائد محسن حسين في كتابه (آخر المشوار)- حين حاصر الانقلابيون القصر الملكي، وقد تولى آمر الحرس الملكي إخبار فيصل الثاني بما يجري، وختم كلامه قائلاً [نحن بانتظار أوامركم لمقاتلتهم وسحقهم]، فيرد عليه الملك [لا داعي للقتال، ولا نريد سحق أحد.. نحن مستعدون لمغادرة البلاد إذا كانوا يريدون ذلك].. في تلك اللحظات الحاسمة من الصراع والمواجهة، كان كل من النظام الملكي والجمهوري يعرب عن نفسه وشخصيته وسلوكه و.. وانتصرت رصاصات 14 تموز التي أودت بحياة الملك الذي رفض قتالهم وسحقهم.. وهكذا بقي صوت الرصاص الجمهوري من ذلك الصباح التموزي وحتى صباحنا المبارك هذا، هو عنوان الجمهوريات.