الزبير.. مدينة تعشق الموسيقى

الصفحة الاخيرة 2022/06/15
...

  البصرة: أ ف ب
 
يجلس عدنان عبد الرحمن بين طبول وآلات إيقاعية مختلفة تعلّم العزف عليها منذ كان في الثانية عشرة من عمره، عملا بتقليد متجذر بين أفراد أسرة متوارثة لمهنة الفن وينتمي لمجموعة من ذوي البشرة السمراء متواجدة منذ قرون في العراق، في قضاء الزبير.
وتشكّل الزبير القريبة من مدينة البصرة في أقصى جنوب العراق، موطناً لهذه الأقلية التي تعود أصولها إلى بلدان في شرق القارة الافريقية.
وينتمي عبد الرحمن (58 عاماً) إلى فرقة موسيقية شعبية جعلت عادات وتقاليد بلدة الزبير مشهورةً في كلّ العراق، وأيضاً في الكويت البلد المجاور الذي يبعد عن البلدة نحو 30 كيلومتراً. ويقول "الفرق الموسيقية في الزبير لا تعد ولا تحصى"، مشيراً إلى أن "غالبية" الفنانين من أصحاب البشرة السوداء. بالطبول والدفوف، تشتهر هذه الفرق بإحياء الزفّات التي ترافق حفلات الزفاف. ويشرح عبد الرحمن الذي يجلس على أريكة اسفنجية على الأرض، الإيقاعات التي يتقنها. وقد عمل مدرساً للموسيقى، وهو منضوٍ منذ أربع سنوات في "جمعية التراث" التابعة لوزارة الثقافة.
دخل عبد الرحمن عالم الموسيقى عندما كان طفلاً. حينها، كان عمه يغني ووالده يعزف على عدد من الطبول المصنوعة من الفخار. ويروي عبد الرحمن "هذه المهنة وراثة، إذا مات (الفنان) يتسلم ابنه العمل مكانه، من شخص لآخر، يستمر الفن ولا يموت"، مشيراً إلى أن أبناء عمومته يعملون في الوسط نفسه. 
ولهذه المدينة أسلوبها الطربي الخاص بالعزف والغناء، الذي انتشر ليس في العراق، بل حتى في الدول المجاورة والعالم، ولهم موسيقاهم المميزة ورقصاتهم، التي تستهوي عشاق الغناء ومنها إيقاع الخشابة.
في بلدة الزبير، تطالع الزائر مشاهد الفقر والنقص في الخدمات والبنى التحتية، فالطرق مهملة وعرة، والمنازل خرسانية رمادية. وبينما يستنكر ناشطون التهميش السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه المنطقة، يشعر السكان بالاستياء من مفردات التمييز العنصري ويفضّلون استخدام تعبير "البشرة السمراء" لتوصيف أنفسهم.
 
تمييز إيجابي
يؤكد عبد الرحمن وغيره أن "العنصرية، لم نرَها قط". وتتفاوت التقديرات حول عدد أفراد هذه الأقلية بين 250 ألفاً إلى مليونين.
تاريخياً، ينحدر أسلاف الأقلية من إثيوبيا وكينيا والسودان، كما يشرح المؤرخ ابراهيم المرعشي لفرانس برس. ويقول المرعشي، الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة كاليفورنيا سان ماركوس، إن أعدادا منهم "وصلوا كعبيد" إلى البصرة عبر بحر الخليج ومصبّ شطّ العرب لتأدية "العمل الشاق بتجفيف المستنقعات المالحة".
ويضيف "في المخطوطات التاريخية، أول انتفاضة لهذه الأقلية حصلت في العام 869"، في إشارة إلى ما يسمى بـ"ثورة الزنوج" ضد العباسيين.
وسمحت تلك الانتفاضة لذوي البشرة السوداء بتأسيس مدينتهم الخاصة التي استمرّت 15 عاماً، قبل أن يهزموا.
ويدعو الناشط ماجد الخالدي إلى "تمييز ايجابي" تجاه الأقلية التي ينتمي إليها، من أجل النهوض بواقعها الاقتصادي والتغلّب على التهميش السياسي. ويطالب الخالدي (32 عاما) الذي يعمل في شركة نفط في البصرة، بسكن لائق وفرص عمل، ويأسف لسوء مستوى التعليم وترك الأطفال للمدرسة. ويندّد باستمرار استخدام البعض لكلمة "عبد" التي يتداولها حتى بعض رجال الدين.
وفي بلد متعدّد الطوائف، تهيمن المحاصصة على توزيع المناصب والمحسوبية في تأمين المساكن والعمل وفي الإدارات العامة.
يناشد الخالدي السلطات للاعتراف بذوي البشرة السمراء كأقلية وشملهم بنظام الكوتا، ليكون لهم ممثل في البرلمان، على غرار المسيحيين والأيزيديين. وعلى الرغم من أنه معارض لنظام المحاصصة، يدرك الخالدي واقع بلده البالغ عدد سكانه 41 مليون نسمة يعاني ثلثهم من الفقر، ولا تزال الوظائف الحكومية المصدر الأساس فيه لفرص العمل.
ويقول "إذا أردت أن تطالب بحقوقك، لا بدّ أن تكون قريباً من أصحاب القرار"، مضيفاً "نريد ممثلين لأصحاب البشرة السمراء يستطيعون أن يدخلوا عند المحافظ، وأن يذهبوا إلى بغداد، ويدخلوا الوزارات".
 
بوادر طيبة 
ومن المبادرات الطيبة التي حصلت في إطار محاولة إلقاء الضوء على هذه الشريحة، ضمّت قناة العراقية الإخبارية، وهي القناة الرسمية الحكومية، الشابة ذات البشرة السمراء رندا عبد العزيز كمذيعة أخبار إلى كوادرها.
وتقول مجموعة حقوق الأقليات الدولية "أم أر جي" على موقعها الإلكتروني "ما زال العراقيون السود يواجهون تمييزاً وتهميشاً ممنهجاً".
وتضيف المنظمة التي تتخذ من لندن مقراً "لا يوجد أي عراقي أسود يشغل منصباً رفيعاً في الحكومة"، مشيرة في الوقت ذاته إلى "معدلات مرتفعة بشكل غير متناسب للأمية والبطالة".
ويشرح سعد سلوم، المنسق العام لمؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية والخبير في شؤون التنوع الديني والاثني واللغوي في العراق، أن "التمييز الذي يتعرض له أبناء البشرة السمراء هو تمييز على المستويات كافة".