سياسة الكتابة النسويَّة

علوم وتكنلوجيا 2019/03/25
...

ابتهال بليبل
 
 
على الرغم من أنّ كتابة الأنثى تميل إلى معالجة شعورها ووصف ما بداخلها تجاه ما يحدث خارجها، إلّا أنّها غالبا ما تمنحنها أدوارا معطلة أو تدفعنا للاعتراف بأن قدرتها في الكتابة – أحياناً- لا تتعدى حاجتها لشخص غائب، وحين تُظهر لنا كتاباتها بشكل مختلف، فإنّ التصورات قد لا تدعمها في نهاية الأمر، معيدة بذلك وجودها إلى مرحلة الأدوار المعطلة. 
تأخذنا هذه البداية لكتاب “61 حقيبة” من إعداد نور المفتي، الصادر عن دار خطوة للكتاب العربي/٢٠١٩، وهو مبادرة لحروف من الناشئة والشباب، ويضم (٦١) مشاركة بين نص سردي ونثري وقصصي.
ويصدف أن تكتشف أن هذا الكتاب الذي يضم (٤٠) شابة جديرة بالملاحظة والاهتمام، بينهن من لم تتجاوز (١٩) عاماً من عمرها- برأيي- كان بمثابة تذكير بتزايد اعداد الكاتبات رغم تهميشهن المتواصل في الاوساط الثقافية من المجتمع العراقي، إذ أن بعض الوجوه الظاهرة في هذا الوسط- تحت تسميات أدبية مختلفة يحاولون استغلال الكثير من الافعال لإسكات  اصواتهنّ، وهن صغيرات، وقد يستخدمون ضدهن سلوكيات غير مقبولة ولا تتماشى مع الاخلاق الانسانية، وكانت نتيجة هذا التنافس اللانزيه ابتعاد الغالبية العظمى من الكاتبات الشابات عن الوسط وربما عن الكتابة حتى. 
وبغض النظر عن إمكانية الكتابة والخزين المعرفي، الا أن المطلع على هذا الكتاب سيعثر على البذور الأولى لأديبات المستقبل.. فمثلاً: الشابة آيات مدحت من بغداد في نص رقم (٣) لا تبدي أيّ شعورٍ ظاهر غير الآمال رغم شعورها المؤلم، حتى أن قيود حياتها تتّسم بالبراءة، كما أنها لا تقاومها بغير الابتسامة. 
فتقول: قصتنا مع الآمال كقصة الفصول الأربعة، يختفي المطر فيها فصلاً بعد فصل، نرى الامطار شتاء فنفرح بها، ثم يختفي المطر تدريجيا فيبقى هواؤها الرطب المنعش، نتمنى لو يعود الشتاء كي نعاود فرحتنا تلك. 
أما آلاء السامرائي من صلاح الدين، فتقول في مقاطع تم جمعها تحت عنوان نص (٥): (لا شيء مُلتئم، أنين الموت بين أزقة حيّنا؟ / مُناف للإنسانية، يجبرني إلى دكان الكفن/ وأنا بين قبرين).. (بريد من الموت يزورني بين الحن والآخر/ بوميض شاشة متهشمة فيصبح من جثة حية).. (كرسام يحاول التشبث بحضن فاتنته/ من خلال لوحة/ هكذا أنا منغمسة بك).  
عندما تطالب الكاتبات– بمختلف أعمارهن - عبر نصوصهن بالتركيز على مشاعر المرأة ومعاناتها من دون النظر للهوية الاجتماعية والبيئية فهن يسهمن هنا في معاناة أكبر. إن التعامل مع مشكلات النساء في الكتابة يحتاج لمعالجات تختلف كثيرا عن تلك التي يتم طرحها في المؤتمرات وحملات الضغط والدعم. 
 
وتقول الشابة تبارك علي في نص رقم (٦٠) عن الظلم: (عندما تكون مختلفا فهذا ليس ذنبك/ ذنبك الوحيد أنّك وضعت نفسك بهكذا مجتمع/ لا يرحم صغيرا ولا كبيرا/ الظلم يسير في عروقهم/ العنصرية تجري بأجسادهم/ الخبث أصبح طبعهم/ والكلام الجارح لا يفارقهم/ فماذا عسانا أن نقول فنحن مختلفون وهم مختلفون).
كما أن التعميم وتحديداً في الكتابة النسوية،عندما تحاول كاتبة ما إنقاذ نفسها أو بمعنى أدق سرد معاناتها ووجهة نظرها من دون الأخذ بنظر الاعتبار أن ما تكتبه تقوم بتعميمه على جميع النساء، فإنّ المواقف وردود الأفعال غالباً ما تكون غير منصفة، إذ سيكون المقترح النسوي مبالغاً فيه ويبتعد كثيرا عن العدالة والواقع. 
لذلك، تحتاج الكاتبات إلى النظر في واقعنا من خلال الاختلافات المجتمعية والبيئية والثقافية، لتحقيق الأهداف. 
وتطرح نصيحتها أم البنين المحمداوي من بغداد في نص رقم (٦) فتقول: (توقفي عن البكاء/ اكتبي.. ارسمي.. ارقصي/ ضعي مساحيق التجميل لتبرز جمالك الخلاب/ لكن لا تبالغي/ قومي بعمل تسريحة لشعرك الجميل/ ارسمي عالمك الخاص/ هذه الأشياء أفضل من أن تبكي بسبب شخص ساذج تركك).
تناول سياسة الكتابة عن المرأة يحتاج للكثير من الثقافية المجتمعية. على سبيل المثال، عندما تطرح الكاتبة مسألة الحب وأنه - مكار أو حرباء تلدغ النساء-  فإنها تبتعد هنا عن حقيقة الحب كمشاعر إنسانية وتجرده من حقيقته المعتادة، وتحصره في زاوية ضيقة جدا، فالأم- مثلا لا على سبل الحصر - لا تلدغ طفلتها، كرمز للأمومة، ولهذا فإن الكاتبة هنا سلبت الامومة وقمعت مشاعر الأم.
تقول الشابة جنات عدنان من العراق في جزء من نص رقم (١١): (السلام أصبح خبرا لكان والحب ثعلباً مكّاراً او حرباء تغيّر لونها معك.. تأخذ ما تريده وتلدغك).
هناك مشكلة رئيسية تواجهها غالبية الكاتبات والأديبات ألا وهي افتراض أن معاناتها الشخصية وتجاربها الخاصة هي ذاتها التي تخص غيرهن من النساء. وكأنّ الكاتبة هنا تمثل كل النساء الملدوغات من حرباء
 الحب.