أقام الفنان البصري طاهر حبيب معرضاً تشكيلياً على قاعة جمعية الفنانين التشكيليين في مدينة البصرة بعنوان (الحياة في ذاكرة الضوء) بأكثر من ثلاثين عملاً بحجم كبير، استلهم فيها ذاكرته السينمائية، متتبعاً الضوء في المشهد السينمائي، وكيفية تقديم المشاهد المقيمة في الذاكرة بأعمال تشكيلية أقرب إلى النحت.
وفي حديثه مع جريدة “الصباح”، قال الفنان طاهر حبيب: إنّه حاول في هذا المعرض تقديم وحدة موضوع عن ذاكرة الضوء، إذ مزج الرسم بالسينما، وفكرة هذا المعرض بدأت منذ ثلاث سنوات بسبب الخزين السينمائي في ذاكرته، حتى أنّه سمّى ما كان يعمله بـ (ذاكرة الضوء)، فـ “بدأت بالتخطيط لهذا المشروع بين فترة وأخرى، حتى وصلت إلى مرحلة التنفيذ على بورد خشب كهيكل أولي، وبعد إنجاز العمل الأول شرعت بالعمل الثاني، حتى بدأت الفكرة بالنضج لتشكّل بعد ذلك سلسلة من الأعمال التي يمكن أن تُقراً كشريط سينمائي في هذا المعرض”.
وبيَّنَ حبيب أنّه استوحى كلَّ لوحة من أعمال هذا المعرض من فيلم سينمائي بقي عالقاً في ذاكرته، وعلى الرغم من أن الفكرة الرئيسة للمعرض سينمائية، غير أن التشكيل هو الناتج الذي كان يبحث عنه.
كانت أعمال المعرض أشبه بملصقات إعلانية، مغرياً المتلقي بالتزيين والتشكلاّت الغرائبية في بناء العمل التشكيلي، فضلاً عن الكولاجات المختلفة التي أدخلها في كل عمل من هذه الأعمال، ومن ثمّ عاد مرّة أخرى ليبرز شخوصاً داخل هذه الأعمال مثل شارلي شابلن وغيره، وما يميز هذه الأعمال أنها جاءت معلقة في الفضاء من دون ايّة خلفيات، فكان التخريم الذي صنعه الفنان في الخشب خالياً إلا من متنه الجاذب للمشاهد، بألوان برّاقة، وكأنه يصنع خامات سينمائية من مواد تشكيلية.
أما عن الطرائق التي أخرج فيها الفنان طاهر حبيب هذه الأعمال، فيشير إلى أن التشكيل عالمه الخاص، فمن خلال الإطار وموسيقى اللون بدأ بإنجاز أعمال المعرض، “حاولت الجمع بين ألوان السينما وألوان اللوحة، وكأننا نقف الآن أمام إعلان سينمائي لأفلام من مراحل مختلفة، فوظّفت شارلي شابلن على سبيل المثال، ومن ثم استلهمت الإشارات التي كان يبثها في أفلامه، فالأرقام مثلاً كانت من الثيمات الرئيسة التي يقدّمها شابلن في أفلامه، فأي كائن على الأرض يمثّل رقماً كونياً يحيل إلى وجوده، فكانت الأرقام ومن ثمَّ الحروف ركناً رئيساً في كل الأعمال الموجودة في المعرض”.
ربما من يشاهد أعمال معرض حبيب هذا، يعتقد أنه يحيل إلى أفلام بعينها، وكأن حبيباً أعاد مشاهدة أفلام كلاسيكية وحديثة ليخرج منها بهذه الأعمال، غير أنه يؤكّد في حديثه إلى أنه لم يعد مشاهدة الأفلام التي يحبها مرة أخرى، غير أنه استند إلى ذاكرته السينمائية في فهم تحولات الشريط السينمائي، ومن ثمَّ الألوان التي كان يشتغل عليها مصور الفيلم، والثيمات التي وصلته حينها من مجموع الأفلام المزروعة في الذاكرة، ومن ثم استثمر عشقه للسينما، وتقنياته الخاصة في التشكيل في إنتاج هذه الأعمال.
أما عن التقنيات التي استخدمها حبيب في تنفيذ هذه الأعمال، فكشف أن الأعمال جميعاً كانت عبارة عن بورد خشب رسم عليها الإطار الخارجي للأعمال، ومن ثم قام بحفر هذه البوردات لتشكّل الإطار الأولي للعمل التشكيلي، وبعد ذلك تأتي التخطيطات الأولية على هذه البوردات لتبدأ مرحلة الأكريليك في إبراز ألوان معينة، وإظهار الثيمات الرئيسة من خلال الضوء وتمثّلاته وكيفية استغلاله في جماليات العمل الفني، المرحلة الأخيرة استخدم الباستيل في الرتوش والإضافات، والمواد الأخرى، فقد “كنتُ أمر في الأسواق فتثيرني مواد بسيطة ولم يستخدمها الكثير من الفنانين في أعمالهم، مثل الكرات المطاطية الصغيرة، والدبابيس التي تستخدم على الجدران أو في ربط حزم الورق، وأكر الأبواب الصغيرة، والأقمشة التي استخدمتها بشكل كبير، والساعات الورقية التي استغللتها بطرائق مختلفة، وصولاً إلى الأقنعة التي يرتديها الأطفال في اللعب”.
أما عن كيفية الانتقال من الرسم على الكانفاس إلى الخشب والجديد الذي سيقدّمه فيما بعد، فقد كشف حبيب أن لديه أفكاراً كثيرة لمعارضه المقبلة، فكل معرض فيه تجربة جديدة، لذا لا يقدم معرضاً إلا بعد سنوات من التفكير والنضج والبحث عن الجديد، فكل لوحة هي بحث عن الجمال.