الماي لو حَسْ بعطش يلتفت يشربنه

ثقافة شعبية 2019/03/26
...

باسم الخاقاني 
ضمن الاعراف و التقاليدالشعبية المعروفة عن المجتمع العراقي حين  يتعرض انسان للغرق في احد الانهار ولا يتمكن اهله من ايجاد جثته بعد البحث في النهر او على أحد جرفيه  تأتي امه أو احد أقاربه من النساء كبيرات السن وتقوم بحركة 
أشبه بأرضاع النهر من صدرها ويقال بعد ما تظهر الجثة أن حنين أم الغريق لولدها هو من جعل  جثة الغريق تظهر من النهر ، وهناك سلوك آخر تقوم به الامهات وهو رمي الخبز للنهر لكي تظهر جثة الغريق وهذا من التقاليدالمتعارف 
عليها ضمن الثقافات الشعبية العراقية  و بعد حادثة غرق العبارة في جزيرة الموصل والتي راح ضحيتها العشرات من الغرقى وقسم كبير منهم من لم يُعثر على جثته في نهر دجلة ظهرت سيدة موصلية كبيرة في السن في شبكات الاعلام وهي ترمي الخبز لنهر دجلة وتقرأ الادعية بطريقة الامهات العراقيات المحملة بالحنين لكي تظهر جثث الغرقى التي 
التهمها نهر دجلة بعد الحادثة المحزنة ، الشاعر البغدادي حسن العنزي صوَرمشاعر الام الملتهبة وهي تنتظر طفلها الغريق على جرف النهر بمقطوعة شعرية جزيلة ..
(على جرف النهر يوليدي تانيتك 
در صدري عليك وطالبت برباي
انه مو للنهر يوليدي ربيتك 
اطلع يالضنه
بضلوعي شبت نار 
كعدت اعله الجرف يبني وترجيتك 
جملت النهر حنية يالغركان 
وعطر الماي صار بعطر حنيتك )
كما تمكن شاعر جنوبي آخر وهو الشاعر احمد الاسدي أن يرسل مشاعره الصادقة المحملة بالعتب مع نهر الفرات الذي يشق مدينته الى شقيقه دجلة واصفا الانهار التي تحولت الى مقابر تسرق الضحكات من شفاه الاطفال 
( كبر مهدوم وجه الماي 
اليه ابحسرته اجنازه 
وكلبي من الصغر ملجوم 
بس فك عينه للدنيا لكه بجتف النهر تشيع اعزازه
 ولك ياموت مامليت خليت الفرح تابوت
 خليت الكلايد للهمس شوباش 
وسحك جدمك بجيد الصوت)
الجنوبيون حملوا مأساة الموصل (أم الربيعين) التي سرقت الحروب أحد ربيعيها وغرق ربيعها الاخر في (حادثة العبَارة) في عيد الربيع (نوروز)  ، فشعراء الجنوب كتبوا على جدران مدنهم بأغصانهم الشعبية قصائد تحمل اوكسجينها الخاص للوطن الغريق ومن هذه القصائد هناك وقفة للشاعر السماوي عقيل العرد وهو يجدد القسم مع الوطن وغرقى الوطن
كضيناها بنهر والموت ناعور 
غرف بينه بكثر ما بالثرى كبور
 تدور عيونه الــ عين الروازين
 وساعه بسد سجنها وطيفها اتدور
 وحياتك ياوطن مابعنا طاريك 
نشهكك طيب من جان الهوى يفور
 رفعنا كًلوبنه اعله جفوفنه اشراع
 بوكت بيه الرصاصه الخاينه تثور
 كسرناهن بخبزه وماي ودموع
 ولا جبنه المضيفك صيت مكسور
دجلة التي تنحدر من أعلى العراق الى أخمص جنوبه التي وقف عندها شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري وأطلق عنان قصيدته المعروفة (يادجلة الخير)  حتى أضحت اليوم دجلة الويلات والنكبات العراقية تشرب القصائد والارواح والنوارس حسب ما جاء به الشعبي ( كرار الغريفي)  بوصفه الشعري مجارياً قصيدة الجواهري 
( لذيذين .. ولهات الموت تتبعنه
 وحتى الماي لوحس بعطش يلتفت يشربنه!!
يدجله الخير جم نورس اخذ منه
 لذيذين الفزع والطاح جنوبي بموصلي اتحنه )
لم يكف الشعراء عن عتابهم لدجلة فهم يذكروه بحوادث وارواح التهمها  وهذه الحوادث ستضل ناقوس يدق في رأس التاريخ ويسبب له صداعا مادامت هناك أمهات تأن لأرواح أولادها عند المقابروالانهار ومادام هناك شعراء يوثقون حزنهم الشعبي بطرائقهم الملفتة للبكاء وهنا الشاعر( نائل الديوان )  يذكر دجلة بحادثة جسر الائمة التي التهمت المئات وحادثة سبايكر المؤلمة ويجعلهما توأما لحادثة العبارة من أم واحد اسمها دجلة وأب أسمه القدر العراقي 
مهو بجسر الأئمة مفرهد ارواح 
واله بسبايكر صارت حكاية
 وبالعبارة امس بايك افراح العيد
وطن افراحة شحة ومحنته هوايه
ويستكمل شاعر شعبي آخرالخطاب لدجلة ويطالبه أن يكون كالحوت الذي أنقذ النبي يونس وينقذ الموصليين من الغرق بفرضية شعرية يطلقها هذا الجنوبي عباس طالب
يدجله شعوزچ وما صرتي بطن الحوت 
ناسچ مــــــو زرع ونگــــــــــول غرگانه 
من گــــــــد ما أزغار وگامـــوا أيلعبون
 غرگنه واليحـــــــبنه يغـــــــرگ أويانه 
خشن مايچ والأمغرگتهم أهل أحساس
 واحدهـــم الطــــير أيســــرفن أردانه
 حضن شافــــوچ ما گلتــــيلهم تابوت 
خذيتي الما أينام إلا أعلــــــه سندانه