بين الآبــاء والأبـنـاء

ثقافة 2019/03/26
...

حسين الصدر
 
 
 - 1 -
الأولاد هم الأكباد التي تمشي على الأرض ...
قال الشاعر :
وانما أولادْنا بيْننا 
أكبادُنا تمشي على الارضِ
لو هبّت الريحُ على بعضهم 
لا متنعتْ عيني عن الغمضِ
حين نسمع أباً يتحدث عن أولاده، فنحن أمامَ (قلبٍ) يتكلّم ولسنا أمام (لسان) ..
ولغة القلب معروفة بحلاوتها، ونفاذها الى القلوب دون حاجز أو مانع ..
 
- 2 -
لا أنسى أنّ احد الآباء قال لي يوم خطبتُ ابنتَهُ لشابٍ من شبابنا :
انني لو خيرّتُ بين أنْ أموت وتحيا ابنتي، أو تموت هي لأبقى حيّاً، لما اخترت إلّا الموت إبقاءً 
عليها.
وهذه هي أعلى الصيغ في التعبير عن الحبّ الأبوي للاولاد الذي تجاوز في عمقه كل حدود 
الحياة.
 
- 3 -
والآباء يتلذذون بما يرونه من أبنائهم من حراك، بينما لا يُمتعهم ذلك اذا كان من غيرهم ..!!
 
- 4 -
والأبناء لا يكفّون عن اللعب ليس بمشاعر الآباء فحسب، بل ؟؟؟؟ وأوراقهم ونظّارتهم، وهواتفهم، والكثير مما يعود اليهم من أشياء، وهم يظهرون الغضب والامتعاض منهم، ولكنهم – وبعد فراق أبنائهم – يتمنون أن لو عاد اليهم أبناؤهم ومارسوا ما شاؤوا من ألاعيبهم ..
وربما تذكروا ذلك وانسابت من عيونهم الدموع ..
 
- 5 -
انشداد الأب لأبنائه، وتعلقه بهم، مسأله يصعب على الحروف أنْ تخوض فيها، لأنها ذات زخم عاطفي خاص، وطعم متميّز يأبى الوصف..
 
 - 6 -
وقد قرأتُ قصيدة للشاعر الراحل عمر الأميري، جديرة بأن تحفظ ولا يكتفي بقراءتها فقط، لما تضمنته من صور ومشاهد، وما انطوت عليه من عواطف ومشاعر متأججة، ونحن نُثبِتها هنا لاهميتها في الدلالة على عالمٍ مفعم بأشذاء الأبوة الحانية وأجوائها 
الفريدة:
 
أين الضجيجُ العذبُ والشغبُ
       أين التدارسُ شابه اللعبُ ؟
أين الطفولةُ في توقدها
      أين الدمى في الأرض والكتبُ ؟
أين التشاكسُ دونما غرضٍ
       أين التشاكي ماله سببُ ؟
أين التباكي والتضاحكُ في
           وقت معا  والحزنُ و الطرب ُ؟
أين التسابقُ في مجاورتي
        شغفا إذا أكلوا وإن شربوا ؟
يتزاحمون على مجالستي
          والقربِ منّي حيثما انقلبوا
يتوجّهون بسوْقِ فطرتهم
        نحوي إذا رهبوا و إن رغبوا
فنشيدُهم : (بابا) إذا فرحوا
         ووعيدُهم: (بابا) إذا غضبوا
و هتافهم: (بابا) إذا ابتعدوا
            ونجيهم: (بابا) إذا اقتربوا
بالأمسِ كانوا مِلءَ منزلنا
          واليوم ويح اليوم قد ذهبوا
وكأنما الصمت الذي هبطت
            أثقالُه في الدار إذ  غربوا
إغفاءةَ المحمومِ هدأتها
           فيها يشيعُ الهمُ والتعبُ
ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنُهم
          في القلبِ ما شطوا وما قربوا
إني أراهم أينما التفتتْ
           نفسي وقد سكنوا وقد وثبوا
وأحسُّ في خلَدي تلاعبَهم
           في الدار ليس ينالهم نصبُ
وبريق أعينهم إذا ظفروا
               ودموع حرقتهم إذا غلبوا
في كلِّ ركنٍ منهم أثرٌ
            وبكل زاوية لهم صخبُ
في النافذات زجاجها حطموا
        في الحائط  المدهون قد ثقبوا
في الباب قد كسروا مزالجَه
         وعليه قد رسموا و قد كتبوا
في الصحن فيه بعضُ ما أكلوا
             في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشطر من تفاحةٍ قضموا
              في فضلةِ الماءِ التي سكبوا
إني أراهم حيثما اتجهتْ
         عيني كأسرابِ القطا سرَبوا
دمعي الذي  كتمته جَلدا
                     لما تباكوا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا
            من أضلعي قلبا بهم يجبُ
ألفيتني  كالطفل عاطفةً
             فإذا به كالغيثِ ينسكبُ
 قد يعجب العذالُ من رَجلٍ
                يبكي ولو لم أبكِ فالعجبُ
هيهات ما كل البكا خَوَر
                  إني وبي عزمُ الرجالِ أبُ